لم يدخر مشايخ الأزهر جهداً فى القيام بدورهم خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلاد، عقب الهزيمة التى لحقت بمصر عام 1967، حيث عقد مجمع البحوث الإسلامية قبيل العدوان جلسة طارئة فى 31 مايو 1967م أكد خلالها حق القيادة المصرية فى الدفاع عن سيادتها على مياهها فى خليج العقبة، وعن حقوق الأمة العربية، ومبادرتها لصد العدوان الصهيوني، وقد صدر بيان من المجمع للمسلمين فى جميع أنحاء العالم يبصرهم بمسئولياتهم، ويدعوهم إلى الجهاد والمؤازرة، ويحذرهم من التخلف، أو التعاون مع الأعداء
وقد توجه الرئيس جمال عبدالناصر إلى الأزهر يلوذ بعلمــائه ليشحذ بهم الهمم والعزائم فى مواجهة المعتدين، فتم عقد المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية فى 6 أكتوبر 1968م فى رحاب الجامع الأزهر الشريف، حيث التقى علماء المجمع من آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وأعلن المؤتمر توصياته التى أكدت جميعها على وجوب مقاومة العدوان، والحفاظ على المقدسات بكل السُبُل، وقطع الدول الإسلامية أى علاقة مع المحتل الغاشم، وتأييد أصحاب الحقوق لاسترداد حقوقهم بدعمهم مادياً وعسكرياً، وضرورة المبادرة إلى تعبئة القوى الروحية وتعميق القيم الإسلامية فى المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد والقوات المسلحة، وفى كل وسائل النشر والإعلام
كما قرر مجمع البحوث الإسلامية فى جلسته التى عقدت فى 19 رمضان 1390هـ 18 نوفمبر 1970م إنشاء صندوق باسم «صندوق الجهاد» يتبع جمعية باسم «جمعية مجمع البحوث الإسلامية لصندوق الجهاد»؛ برئاسة الشيخ محمد الفحام شيخ الأزهر الشريف رئيس المجمع، للإنفاق على المقاتلين، ورعاية أسر الشهداء المحتاجين، ومنذ اللحظة الأولى التى تولى فيها الشيخ الفحام مشيخة الأزهر 17 سبتمبر 1969، اعتبر نفسه جنديا فى ساحة القتال، فكان يجمع الشعب المصرى نحو هدف واحد وهو تحرير سيناء، وفى 11 من أبريل 1972م قام برفقة نخبة من علماءِ الأزهر بزيارة الجبهة لِرفْع الروح المعنوية للجنود والضباط
وإذا كانت ظروف الشيخ الفحام الصحية ألجأته للراحة وطلب ترك المشيخة فى مارس 1973 فإن الله قد استجاب دعاءه وعبر القناة وصلى فى عمق سيناء، وكان بصحبته الشيخ محمد الذهبى ولفيف من علماء الأزهر الأجلاء وكبار قادة الجيش الثالث
ثم جاء بعد الشيخ الفحام الشيخ عبدالحليم محمود، وهو من أكثر علماء الأزهر إسهاما فى التهيئة المعنوية للجنود لحرب أكتوبر، حتى قبل أن يتولى المشيخة، فقد كان عميدا لكلية أصول الدين بالقاهرة وترك تصريف أمور الكلية لوكيل الكلية، وتفرغ هو للمساهمة فى تثقيف الجنود وحثهم على نيل الشهادة لاسترداد الوطن، وعندما تولى وزارة الأوقاف جعل من مفردات خطاب وزارته تأهيل المجتمع لتحمل تبعات الحرب حتى النصر، وعندما تولى المشيخة فى 27 مارس 1973م كان مهتمًّا بإسهام الأزهريين فى معركة العاشر من رمضان، واستعان بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة، فكانوا بمثابة قوافل للتوعية الدينية ورفع الروح القتالية لدى الضباط والجنود، واتفقت الشئون المعنوية مع الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر تلاوة آياتٍ قرآنية معينة عبر البث المباشر فجر يوم العاشر من رمضان السادس من أكتوبر 1973م من مسجد الإمام الحسين، وحينما اشتعلت الحرب انطلق الشيخ عبدالحليم محمود إلى منبر الجامع الأزهر، وألقى خطبة توجه فيها إلى الحكام والجماهير العربية والإسلامية معلنا أن حربنا مع العدو الصهيونى هى حرب فى سبيل الله، وأن الذى يموت فيها شهيدٌ وله الجنة، وأن من تخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق