فرضت المرأة المصرية نفسها منذ أحداث ثورة 1919 ضد المستعمر الإنجليزي.. وفى كل اللحظات الفارقة فى تاريخ الوطن نجد أن المرأة المصرية تستدعى تلقائيا لتقوم بدورها ثائرة ومثابرة ومناضلة وهذا بالضبط مضمون حكاية د.سميرة موسى أول سيدة تنجح فى ميدان علم الذرة مما جعل إسرائيل تخطط لاغتيالها لكى لا تنجح.
تعد د.سميرة موسى أول معيدة فى كلية العلوم تحاضر فى مدرج الجامعة، وقبل ذلك كانت أول فتاة تحصل على المركز الأول فى التوجيهية «الثانوية العامة» عام 1935 فى مصر.. لتبدأ مشوارها العلمى وبلوغها أعلى الدرجات التى جعلت منها واحدة من أهم النساء فى تاريخ مصر.. وإلى التفاصيل:
ولدت سميرة موسى فى قرية سنبو مركز زفتى بمحافظة الغربية 1917 والتحقت سميرة موسى بمدرسة «سنبو» الأولي، وحفظت أجزاء من القرآن، وكانت مهتمة بقراءة الصحف، ثم انتقلت مع والدها إلى القاهرة من أجل تعليمها، والتحقت بمدرسة قصر الشوق الابتدائية ثم بمدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة، التى قامت على تأسيسها وإدارتها نبوية موسى الناشطة النسائية السياسية المعروفة.
حصلت سميرة موسى على الجوائز الأولى فى جميع مراحل تعليمها، حيث كانت الأولى على الشهادة التوجيهية عام 1935، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا فى ذلك الوقت، إذ لم يكن يسمح لهن بدخول الامتحانات التوجيهية إلا من المنازل، حتى تغير هذا القرار عام 1925 بإنشاء مدرسة الأميرة فايزة، وهى أول مدرسة ثانوية للبنات فى مصر، وكان لتفوّقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة مالية للمدرسة التى يخرج منها الأول، مما دفع ناظرة المدرسة نبوية موسى إلى شراء معمل خاص حينما سمعت يوما أن سميرة تنوى الانتقال إلى مدرسة حكومية يتوفر فيها معمل. خاصة بعد أن قامت بإعادة صياغة كتاب الجبر الحكومى فى السنة الأولى الثانوية، وطبعته على نفقة أبيها الخاصة، ووزّعته بالمجان على زميلاتها عام 1933.
والتحقت سميرة موسى بكلية العلوم، وحصلت على البكالوريوس وكانت الأولى على دفعتها، فعُيّنت معيدة بكلية العلوم، وذلك بفضل جهود الدكتور مصطفى مشرفة الذى دافع عن تعيينها، وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب.
سافرت سميرة موسى إلى بريطانيا ثم إلى الولايات المتحدة للدراسة فى جامعة أوكوردج بولاية تنيسى الأمريكية، حصلت على شهادة الماجستير فى موضوع التواصل الحرارى للغازات، سافرت فى بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراة فى الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، أعدت أبحاثا متصلة توصلت من خلالها إلى معادلة مهمة تُمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون فى متناول الجميع، ولكن لم تدوِّن الكتب العلمية العربية الأبحاث التى توصلت إليها، كما عينت عضوا فى كثير من اللجان العلمية المتخصصة، وعلى رأسها «لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية» التى شكلتها وزارة الصحة المصرية.
عملت سميرة موسى فى معهد مالينكرودت للأشعة فى جامعة واشنطن فى سانت لويس بولاية ميزوري، كانت زميلة لبرنامج فولبرايت الثقافى بصفة زائرة من جامعة فؤاد الأول فى القاهرة، وكانت بصدد إجراء أبحاث مكافحة السرطان للحصول على منحة «وللانخراط فى الفيزياء النووية بالولايات المتحدة»، وحرصت على إيفاد البعثات للتخصص فى علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمى المتنامي، نظمت مؤتمر الذرة من أجل السلام الذى استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.
وحصلت سميرة موسى على الدكتوراة فى الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة عام 1948 وتوصلت فى أحد أبحاثها إلى معادلة لم تكن تلقى قبولاً عند العالم الغربي، وتوفيت سميرة موسى بحادث سيارة أثناء سفرها لقضاء إجازة بالقــــرب من شـــيريدان بولايــة وايومنـــغ فى 15 أغسطس عام 1952.
بين الأسرة والجامعة
كان والد سميرة موسى يؤمن بأهمية التعليم فى تشكيل شخصيات أولاده، فسعى منذ اللحظة الأولى للاستثمار فى هذا المجال، وما إن شبت سميرة حتى أبدت تفوقاً فى القراءة والكتابة، ولم تكد تنهى مسيرتها العلمية الأولية فى مدرسة قريتها سنبو الكبرى حتى حمل والدها لواء الهجرة إلى القاهرة حتى يلتحق أبناؤه بمدارس القاهرة، وبين جنبات حى الجمالية، وفى أكثر أحياء القاهرة أصالة وعراقة، نزلت الأسرة بمنطقة قصر الشوق، ورضيت بجوار الحسين- رضى الله عنه- جاراً وجوارا.
التحقت سميرة موسى بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ومدرسة الأشراف الثانوية، وتتلمذت على يد رائدة نسائية حملت بعضاً من اسمها، وأثرت كثيراً فى مسيرة تحرير المرأة المصرية، وهى السيدة نبوية موسي- أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا-، وأشهر المناضلات ضد الاستعمار وأعوانه فى المحروسة.
كان لهذه التلمذة أثرها البالغ على الصبية الصغيرة، فشبت متمسكة بكرامتها، لا تلهث وراء أموال طائلة أو عروض خيالية، مؤمنة بأن العلم ليس تجارة رخيصة تُباع وتُشتري، وأن الحرة تجوع ولا تأكل بنتاج فكرها.
وعلى الرغم من أن مجموع سمير موسى فى شهادة البكالوريا «الثانوية» كان يؤهلها لدراسة الهندسة، إلا أنها أصرت على الالتحاق بكلية العلوم بالجامعة المصرية، وهناك وبين مختبرات الكلية التقت سميرة موسى بأستاذها الدكتور على مصطفى مشرفة، الذى آمن بقدراتها العلمية فتبناها علمياً وفكرياً، وشملها بدعمه وتشجيعه حتى حصلت على درجة البكالوريوس من كلية العلوم، فكانت أول دفعتها، ما أهلها لتكون أول معيدة بكلية العلوم، جامعة القاهرة، رغم اعتراض الأساتذة الإنجليز آنذاك على تعيينها.
ظهور القنبلة الذرية
كان العالم آنذاك يجتاز مرحلة عصيبة ممثلة فى الحرب العالمية الثانية، جعلت سكانه يحبسون أنفاسهم خوفاً من فناء الدنيا نتيجة القاء بعض القنابل النووية، وحينما أصدر الرئيس الأمريكى هارى ترومان أوامره إلقاء أول قنبلة نووية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى كانت سميرة موسى تعكف على إنجاز كانت قد حصلت على درجة الدكتوراة عن تأثير الآشعة السينية على المواد المختلفة، وكانت قد حصلت على درجة الماجستير عن موضوع التأثير الحرارى للغازات، وسافرت إلى بريطانيا لدراسة الإشعاع النووي.
فى ذلك الوقت الذى شهد ميلاد جامعة الدول العربية آمنت سميرة موسى بأهمية القومية العربية، وضرورة أن يكون للمنطقة العربية سلاحها الذى يدفع عنها وساوس الاحتلال والاستعمار الذى لا يؤمن إلا بقوة السلاح، ولم يكن هناك من سلاح أمضى من الأسلحة النووية، فتوصلت إلى معادلة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس لصناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون فى متناول الجميع، ولكن لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التى توصلت إليها د.سميرة موسي.
كانت سميرة موسى تؤمن بأن السلاح النووى يمكن أن يؤدى إلى إرساء سلام الأقوياء فى المنطقة العربية دون إملاءات من الغرب، ولم يكن أدل من تأسيسها لهيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلى سيطرتها على الأراضى العربية فى فلسطين، كما دعت إلى عقد مؤتمر «الذرة من أجل السلام» الذى شارك فيه كبار علماء الذرة فى العالم آنذاك.
وإلى جانب هذه الرؤية للذرة ففى مسألة «الحرب والسلام»، كانت سميرة موسى تسعى لاستخدام الذرة فى المجالات الطبية مثل علاج السرطان وغيره من الأمراض المستعصية، حيث كانت تقول: «أمنيتى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين».
صاحبة المواهب المتعددة
عُرفت الدكتورة سميرة موسى بمواهبها المتعددة، فأدمنت قراء الكتب حتى كونت مكتبة ضخمة تم إهداؤها للمركز القومى للبحوث بعد وفاتها، وأجادت العزف على العود وكتابة النوت الموسيقية، والنسج والتريكو، بالإضافة إلى شغفها بالتصوير، وكانت لها مبادراتها الاجتماعية الكبرى مثل محو الأمية فى الريف المصري، وايواء المشردين فى الشوارع.
وفاة الأستاذ
شكّل يوم السادس عشر من يناير عام 1950م ضربة موجعة لسميرة موسى حين توفى أستاذها على مصطفى مشرفة بشكل مفاجئ، وعلى الرغم من الأمر بدا وكأنه أزمة قلبية مفاجئة، إلا أن أصابع الاتهام كانت تشير إلى ضلوع الموساد الإسرائيلى فى عملية اغتياله؛ للحيلولة دون انتشار مجهوداته العلمية، خاصة فيما يتصل بأبحاث الذرة.
راجت الأبحاث العلمية التى كانت تجريها سميرة موسي، ما جعلها على رأس قائمة العقول العربية التى فُرض عليها خياران لا ثلث لهما، إما أن ترضى بالتجنيد والعمالة، وإما أن تموت بلا رحمة ليقبع معها حصاد فكرها فى قعر قبرها.
استجابت الدكتورة سميرة إلى دعوة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1952، حيث أتيحت لها الفرصة لإجراء أبحاث فى معامل جامعة سانت لويس بولاية ميسورى الأمريكية، وتلقت عروضاً للبقاء هناك لكن ابنة الغربية رفضت الانحياز للغرب، ورفضت أن تكون عميلة لأى قوة خارجية.
تشير أصابع الاتهام إلى دور كبير للممثلة اليهودية المشهورة راقية إبراهيم إبان فترة الأربعينيات، والتى هاجرت إلى إسرائيل فيما بعد فى التخلص من سميرة موسي، حيث كانت تجمعهما صداقة وطيدة، وقد دلت الموساد على أبحاث سميرة موسى ونواياها الساعية لامتلاك مصر للقنبلة الذرية وذلك حسب شهادة ريفا ديفيد توماس حفيدة راقية إبراهيم.
وكانت سميرة موسى قد كتبت قبل عودتها إلى مصر بأيام إلى والدها رسالة روت له فيها ما شاهدته من مفاعلات وتجارب، وأكدت له حرصها على اسداء خدمات جليلة لبلدها مصر، وقبل سفرها بيوم استجابت لدعوة زيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا فى 15 أغسطس عام 1952، وفى أثناء عودتها من تلك الزيارة، وبين الوديان السحيقة لصحراء كاليفورنيا، كان قرار الموساد بالتخلص من سميرة موسى قد اتخذ ولا ينقص غير التنفيذ، فالعرب لابد ألا يحصلوا على هذه الأسلحة النوعية فى فترة مبكرة من مهد الصراع العربي- الإسرائيلي.
انحدرت السيارة بسرعة جنونية، وفى طريقها للسقوط، وعلى عادة عملاء المخابرات، قفز سائق السيارة لتهوى بها السيارة فى عمق منحدر جبلى لتموت سميرة موسي، وليختفى سائق السيارة إلى الأبد، وقد كشفت التحقيقات أن السائق كان يحمل اسماً مستعاراً، وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها.
وسام العلوم والفنون
حصلت سميرة موسى على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981م فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وبقيت ذكراها حاضرة بحياة قصيرة ومسيرة علمية أطول عمراً فى دنيا العلوم، لتضع نفسها ضمن مصاف العباقرة.
كما أطلق اسمها على أحد معامل كلية العلوم، وتم إنشاء قصر ثقافة يحمل اسمها فى قريتها سنبو الكبرى عام 1998.
كما قررت الدولة إطلاق اسمها على أحد المحاور الكبرى فى المشروع القومى للطرق، وقد تم تسجيل قصتها فى سيرة ذاتية بعنوان اغتيال العقل العربي: سيرة ذاتية لأولى شهداء العلم الدكتورة سميرة موسي.