مقام العبودية مقام عظيم، فهو مقام الأنبياء والأولياء والأصفياء، يقول الحق سبحانه وتعالى : «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِى الْأَيْدِى وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ» «ص: 45 – 47»، ويقول سبحانه فى شأن سيدنا زكريا «عليه السلام» : «ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا» «مريم: 2»، ويقول سبحانه فى شأن سيدنا أيوب عليه السلام:»إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» « ص: 44»ويقول سبحانه فى شأن الخضر «عليه السلام» : «فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا» «الكهف: 65» .
ولما كان مقام العبودية أشرف المقامات جاء ذكره مقترنا بفضل الله عز وجل على نبينا الكريم «صلى الله عليه وسلم» فى مواضع عديدة، حيث يقول الحق سبحانه: « سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «الإسراء: 1»، ويقول سبحانه: «ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَي»»النجم: 10»، ويقول سبحانه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا» «الكهف: 1»، ويقول سبحانه: «تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» «الفرقان :1».
وعباد الرحمن هم من يحققون صفات العبودية لله عز وجل تعبدًا، وخلقًا، وسلوكًا، وقد خصهم الله عز وجل بالذكر فى كتابه العزيز أكثر من مرة، ومن ذلك قوله تعالي: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا» «الفرقان:63، 67».
فجعل الحق سبحانه أول صفة من صفات عباده المخلصين: التواضع والحلم وضبط النفس، فهم لا يقابلون السيئة بالسيئة فضلاً عن كونهم لا يبدأون بالسيئة أصلاً، بل يقابلون السيئة بالحسنة، ويعفون ويصفحون، حيث يقول الحق سبحانه: «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ « «فصلت:34، 35».
ومن صفاتهم: الإخبات لله «عز وجل» وابتغاء رضاه، فهم يبيتون لربهم سجداً وقيامًا، شكراً لنعمه ووفاءً بحقه، رغبًا ورهبًا، ثم تأتى صفة الوسطية فى الإنفاق لتكون أنموذجًا للوسطية فى الحياة كلها.
ومن أخص صفات عباد الرحمن: البعد عن الولوغ فى الدماء، أو سفكها، أو ترويع الآمنين، أو ارتكاب الموبقات، حيث يقول الحق سبحانه: « وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» «الفرقان: 68-70».
إن عباد الرحمن فى كفالة الله وضمانه، حيث يقول سبحانه وتعالي: « أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» «الزمر: 36»، ويقول تعالي: « فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ» «الزمر: 17-18».