فى مثل هذا اليوم من العام الماضى رحلت أمى شريان الحياة عنوان الحكمة وصوت العقل وفى هذه الذكرى الغالية الصعبة على نفسى أؤكد أنّ للأم مكانة عظيمة فى المجتمع، فهى التى خيّرت نفسها بين أن تحيا وتموت لتنجبك وتفضلّك على سائر النّاس، فالأم عبارة عن مجموعة من المشاعر النبيلة التى غرسها الله سبحانه وتعالى فيها لتملأ الحياة بالعطفِ والحنان، فالأم تبقى كما هى فى حياتها وبعد موتها عطر يفوح شذاه وعبير يسمو فى علاه وزهر يشم رائحته الأبناء وأريج يتلألأ فى وجوه الآباء ودفء وحنان وجمال وأمان ومحبة ومودة ورحمة وألفة وعلو وهمم هى قسيمة الحياة وموطن الشكوى وعماد الأمر وعتاد البيت ومهبط النجاة وهى آية الله ومنّته ورحمته هى صفاء القلب ونقاء السريرة ووفاء وولاء وحنان وإحسان وغياث المكروب ونجدة المنكوب وسر الحياة ومقعد الألفة ومجتلى القريحة ومطلع القصيدة وموطن الغناه.
وأوصى الله سبحانه وتعالى الأولاد بأمهم، «وَوَصَّيْنَا الِْْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فى عَامَيْنِ «إن بناء وعمارة المجتمع بأسره يقوم على الأم؛ فبدونها لا تقوم لبناته التى تُمثّل ثروته البشرية، وتقوم على سواعدها النهضة والتقدم، بل وضمانة استمرار الحياة بكل مكوناتها وأركانها؛ وشعوب الأرض أجمع تعترف بفضل الأم، وتكُن لها مشاعر التقدير والحُب، وتحتفى بها وبما تقدمه من تضحيات لأجل جيل يحقق
آمال وطموحات الأسرة والمجتمع والعالم بأسره ويهنأ المجتمع بنتاج ثمرة الأم التى ساهمت فى تربية الأبناء تربية سوية، تحضهم على الولاء والانتماء لأوطانهم، وتحثهم على الدفاع عن مقدراته والحفاظ على مكتسباته والعمل على رفعته، وتُبعد عن أذهانهم كل صور الفساد والضرر لمكوناته، وتؤدى الأم العظيمة دورًا كبيرًا فى الحفاظ على الترابط الأسرى الذى يستشعر الأبناء بفخر الانتماء إلى أسرته الصغيرة والكبيرة، وكانت أمى بفضل الله تمتلك مقومات التواصل الكلى مع ذوى أرحامها وأقاربها؛ فببشاشة وجهها، ولغتها الراقية، وحُبها العميق، وإخلاص نواياها، وترحابها وكرمها الطائى تستقبل كل مُقبل وآت لمسكنها، لتقدم كل ما تملك لإسعاد الجميع. وكانت أمى الرشيدة تمتلك البصيرة وتتصف بالهدوء وسط الزخم، وبالتريث أثناء تفاقم العصبية والتوتر، وبالصبر حال وقوع ملمات، وبالفطنة حال المواقف الشائكة والمفاجئة، وبالمقدرة على التحمل حال إجهاد الجميع، وبالإقدام حال الإخفاق من قبل الآخرين، والإصرار على إنجاح أفراد أسرتها فى مسيرتهم برغم التحديات والصعاب المتعددة. وفى هذا الصدد أؤكد أنه، برحيل أمى رحل عنا صوت العقل والحكمة وغابت عنا عنوان المشورة التى كنا نلجأ إليها ونأخذ مشورتها فى كل أمور حياتنا الشخصية والعائلية بل والمهنية. إن برّ أمى فى المحيا والممات دين فى رقابنا كائن فى حبى الخالص لها والاحترام الجم لشخصها، والعرفان بالجميل لها رحمة الله عليها، وحقيقة أؤكدها وسأظل ارددها مهما حييت لا يوجد أى ألم فى العالم يمكن أن يقارن بألم فراق الأم والاشتياق لها، ولا يوجد أى شعور يكسر قلب الإنسان أكثر من الشعور بالاشتياق للأم بعد وفاتها، أعظم المصائب رحيل من لا تُعوّض بأهل الدنيا كلهم، وأشد الآلام يوم تجد نفسك وقد فقدت من كانت تملأ عليك الدنيا، وتنير دنياك دعواتها، وترى بركة حياتها فى حياتك، وتعيش معها لحظات الأنس والرضا . اللهم هوّن الفقد لأمنا علينا وقد وفدت على كريم رحيم أرحم بها منّا، وقد اختارها لجواره، وهى تحمل ثناء النّاس عليها، وذكرها الطيب فى العالمين، وما ختم الله لها به من الوفاة فى شهر شعبان العام الماضى فاللهم اغفر لأمى وارفع درجاتها فى المهديين، وافسح لها فى قبرها، واجعلها من أهل فردوسك الأعلى ولا يفوتنى إلا أن أدعو بالرحمة والمغفرة لرجل الخير الأخ والصديق والنسيب محسن صادق جابر الخواطر الذى رحل عنا فى هذه الأيام المباركة.. اللهم اجعل فيما كتبته عن أمى صدقةً جارية، وسبباً لإحسان الأبناء لأمهاتهم، وطريقًا لزيادة المحسن البار، وتذكرة للمعرض المقصّر ولا يسعنى فى مقام ذكر فضل الأم إلا أن أقول إن خواطرى مع أمى رحمة الله عليها لا تنقطع، وحبى وبرى لها مستدام ما حييت. فاللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا وموتانا، وأعنا على مواصلة برهم فى مماتهم، وربِّ بفضلك وجودك أبناءنا على برِّنا فى الدارين.
– رحمة الله عليك يا أمى