عندما صدرت مذكرات اعتقال المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.. تفاجأ كثير من الأشخاص فى المجتمع الدولى بهذا القرار.. إذ كيف يمكن لدولة ديمقراطية دستورية، مقيدة بسيادة القانون، وقضاء مستقل، أن تنتهك القوانين والأعراف الدولية إلى هذا الحد الخطير؟
ولكن نحن هنا فى العالم العربى والإسلامى وأيضاً المنصفين حول العالم ومنهم من داخل إسرائيل نفسها نعلم حجم الكارثة فنرى أن قرار اعتقال ذلك السفاح ووزير دفاعه قد تأخر كثيراً لارتكابهما جرائم حرب ربما لم تحدث عبر التاريخ، مستخدمين الإبادة الجماعية فى حق خصومهم أو حتى أعدائهم.
فنحن وهؤلاء الذين راقبوا برعب وصدمة الإبادة الجماعية التى حدثت على مدى العام الماضى لم يكونوا فى حاجة إلى كشف من جانب المحكمة الجنائية الدولية لمعرفة مدى جرائم الحرب التى ارتكبت فى غزة. ولا شك أن الفلسطينيين، فى أنقاض غزة التى تعرضت للقصف، أو الضفة الغربية المحتلة، أو القدس الشرقية التى ضمتها إسرائيل بشكل غير قانوني، لم يفاجأوا.
فعندما تقوم حكومة إسرائيل بقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين فى غزة، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية، ومنع توزيع المساعدات الإنسانية، وطرد سكان شمال غزة بالقوة، وعندما يتم استخدام المجاعة والحرمان من الضروريات الأساسية للحياة البشرية كأسلوب من أساليب الحرب لأكثر من عام، فما الكلمة الأخرى التى يمكن استخدامها لوصف هذا الواقع غير الإبادة الجماعية؟
وفى الوقت نفسه، هناك حملة تطهير عرقى مستمرة تتكشف فى الضفة الغربية، حيث طردت أكثر من 20 تجمعا سكانيا بالقوة وسط مستويات متصاعدة من عنف المستوطنين.. وسعى لضم الضفة الغربية أو جزء كبير منها كما حدث مع القدس الشرقية، لذلك كله فإن أوامر المحكمة الجنائية الدولية قليلة ومتأخرة للغاية.
وكما لم يفاجأ الفلسطينيون، لم يتفاجأ أيضا الإسرائيليون وهذا ليس كلامى بل هو ما كتبه النائب فى الكنيست الاسرائيلى «أوفير كاسيف» فى صحيفة الجارديان البريطانية عبر موقعها الإلكترونى يوم السبت الفائت حيث كتب يقول: «… فنحن نقرأ ونرى تصريحات الحكومة الإسرائيلية، دون فلترة أو ترجمة. ونعلم أن كبار الوزراء احتفلوا بقتل الأبرياء بينما أعلن آخر عن خطته لإفراغ أكثر من نصف السكان من أجل إفساح المجال للمستوطنات اليهودية فى غضون السنوات القليلة المقبلة.
وعندما تحدثت أنا، عضو الكنيست، ضد هذه الجرائم فى البرلمان، عوقبت بقسوة، وأنا أقضى حاليا عقوبة الإيقاف عن ممارسة أى أنشطة برلمانية لمدة 6 أشهر لاستخدامى مصطلح «الإبادة الجماعية». وقد ذكرت لجنة الأخلاقيات أنها توصلت إلى القرار على أساس استخدامى لمصطلح «الإبادة الجماعية» ومعارضتى لجرائم الحرب المزعومة التى ارتكبت فى غزة.