>> امتلكت مصر فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى كل مقومات إقامة دولة حديثة.. وبدأت وقتها بالفعل تضع إحدى قدميها على طريق التنمية الشاملة.. فالرقعة الزراعية فى الوادى تم زيادتها باستصلاح آلاف الأفدنة فى النوبارية والوادى الجديد.. وأقيمت قاعدة صناعية مدنية وحربية.. إضافة إلى الشركات التجارية والمشروعات الخدمية.. وكانت الخطة الخمسية الأولى من أنجح التجارب على مستوى العالم فى ذلك الوقت.. ولكن للأسف بدلاً من الحفاظ على هذا الإنجاز والبناء عليه فرطنا فيه بالإهمال تارة.. وبتغيير الفلسفة وبدء الخصخصة تارة أخري.. فكان علينا بعد 70 سنة أن نبدأ من جديد!!
تقدمت العديد من الدول التى بدأت نهضتها معنا وربما بعدنا وحققت ما أرادت.. بينما تأخرنا بفعل فاعل.. صحيح ان هزيمة يونيو 1967 كانت سببا مباشرا فى توقف البناء والتنمية بعد توجيه الدخل القومى لإزالة آثار العدوان وإعادة بناء القوات المسلحة.. ولكن الحقيقة توجد أسباب جوهرية أولها فساد الإدارة فى القطاع العام فى المصانع والشركات والأهم ضعف الرقابة والمتابعة مما أدى لانهيار ما تم إنجازه وضياع أموال الشعب!!
كان المواطن هو الضحية ودفع الثمن من قوته ومن راحته بعد أن ضعف أداء الجهاز الإدارى وساءت الخدمات وقل الانتاج المحلى وأصبح الاعتماد على استيراد كل شيء بعد ان كان هناك شبه اكتفاء ذاتى فى الغذاء باستثناء القمح والزيوت.. أما فى المنتجات الصناعية فكانت هناك قلاع مثل الحديد والصلب والنصر للسيارات والغزل والنسيج والكابلات وتليمصر والمراجل البخارية وغيرها.. وللأسف ساد الاهمال وعدم صيانة الآلات وتحديثها إضافة إلى عدم احترافية بعض الإدارات وسوء أداء وفساد البعض الآخر.. ورغم ذلك ألقوا باللوم على العمال وإنهم سبب ضعف الانتاج وعدم جودته فماذا يفعل العمل فى ماكينات وآلات تهالكت ولم يتم شراء قطع غيار لإصلاحها أو استبدالها وتحديثها؟!
وفى قطاع الزراعة تركت الحكومات المتعاقبة منذ نهاية السبعينيات الفلاحين وألغت الدورة الزراعية وتركت الذين يستصلحون الأراضى الصحراوية يبحثون عن البذور والأسمدة والمياه.. ولم يعد المرشدون يشرحون لهم فوائد أساليب الرى الحديثة.. ولم يجدوا من يعاونهم فى تسويق المحاصيل!!
لم تعد الشركات العامة التجارية تلبى احتياجات المواطنين أو ترضى أذواق الزبائن فالجمعيات الاستهلاكية تحولت إلى دكاكين بقالة لصرف التموين لأصحاب البطاقات وإذا دخلتها ستصاب بالحساسية لكثرة الأتربة التى تعلو الأرفف وتغطى البضائع.. ومثلها ان لم تكن أسوأ المحلات التى تبيع الملابس والأدوات المنزلية مع انها كانت يوما هى الملاذ للأسرة المصرية وترتادها العائلات سواء الثرية أو المتوسطة أو البسيطة فالكل كان يجد مبتغاه فيها.. خاصة لوازم العرائس وفرش البيوت من أثاث وأدوات كهربائية وسجاد إلى أدوات المطبخ وحتى فستان العروس.. وللأسف أصبحت هذه المحلات شبه مهجورة وبضاعتها قديمة والموديلات عفا عليها الزمن.. وانتهت تماما عبارة «الزبون دائماً على حق» ومكانها حلت عبارة «اللى مش عاجبه ما يشتريش»!!
وعن شركات قطاع الأعمال فى النقل والمواصلات فحدث ولا حرج خاصة الأتوبيسات التى تنقل المواطنين بين المحافظات من بحرى إلى الصعيد.. حيث كانت فى البداية سياراتها جديدة وبحالة جيدة ومكيفة ونظيفة والسائق يستقبل الركاب بابتسامة وكان معه مساعد أو مضيفة تلبى احتياجات المواطنين من السندويشات والمشروبات.. ماذا حدث الآن؟!.. تحول الحال إلى النقيض تهالكت الأتوبيسات والتكييف نادرا ما يعمل والفيديو اما خسران أو يعرض فيلما قديما.. واتحدى أى راكب يمكنه دخول دورة المياه فى المسافات الطويلة.. حتى بعض السائقين يقابلون الناس بوجه عبوس ولا يتحملون كلمة!!!
فى ظل الأزمات الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.. يكون قطاع الأعمال هو الملاذ للطبقات المتوسطة والبسيطة.. ويكون من الحكمة التريث فى الإسراع فى بيع المصانع والشركات وخصخصتها بشرط حُسن اختيار الإدارة المحترفة ذات الخبرة فى مجالها واستمرار المتابعة والمراقبة من الجهات المعنية وأن يتم التخلص من الروتين والبيروقراطية حتى تعمل الإدارة بفكر وعقلية القطاع الخاص مع إعطاء العمال حقوقهم وتدريبهم وتحديث الآلات والماكينات والمعدات.. فالمسألة ليست قلة الامكانيات بقدر ما هى إدارة مخلصة ومتخصصة!!
المنتخب القومى للثقافة!!
>> يمثل العلماء والمفكرون والكُتاب والأدباء والشعراء والفلاسفة والفنانون والموسيقيون والنحاتون والرسامون «المنتخب القومى للثقافة».. وهؤلاء هم أعضاء فريق «القوة الناعمة» المصري.
لا أدرى لماذا نعطى كل الاهتمام للاعبى كرة القدم ونسلط عليهم الأضواء لدرجة ان المواطن يعرف كل شيء عن حياة وتواريخ ميلاد من يلعبون فى فرق الدورى الممتاز حتى لو كانوا من أنصاف الموهوبين.. بينما نادرا ما تستضيف البرامج أدبياً أو شاعرا ومن المستحيل أن ترى على الشاشة رساما أو فنانا تشكيليا ولو كان يمثل مصر فى معارض دولية وحصل على جوائز.. أما العلماء فلا مكان لهم ولا لاختراعاتهم مع انهم قادرون على إيجاد حلول لمشاكل المجتمع!!
لو وجد العملاء والمفكرون والشعراء والأدباء والفنانون من يمول أعمالهم وينشر إبداعاتهم لتغير حال الثقافة فى بلادنا فهؤلاء يساهمون فى بناء الشخصية المصرية ويرتقون بالذوق العام بدلاً من الاسفاف والهبوط الفنى الذى أثر على الأخلاق وأدى إلى نبذ الكراهية والارتقاء بالأحاسيس والعواطف وزيادة الحب بين أفراد المجتمع والقضاء على التعصب!!
هل يمكن وقف جنون إهدار مليارات الجنيهات على انتقالات لاعبى الكرة وإحضار مدربين أجانب يتقاضون رواتب خرافية وتخصيص ولو ربع ما ينفق على هذه اللعبة لاكتشاف المواهب من الباحثين والمفكرين والأدباء والفنانين والموسيقيين ونشر إبداعاتهم وتعريف الناس بأعمالهم وإنجازاتهم ليكونوا قدوة للشباب بدلاً من خلق جيل كله يتمنى أن يصبح لاعب كرة؟!
مطلوب من وزارتى الثقافة والشباب وأجهزة الإعلام الاهتمام بالمنتخب القومى للثقافة فريق «القوة الناعمة» المصرى فهؤلاء أفضل سفراء فى الخارج.. ولابد من الاعتماد عليهم فى الداخل للنهوض بالبلاد بأفكارهم وأبحاثهم ومبتكراتهم وفنونهم!!