«ريا وسكينة» قصة تناولتها الدراما والحكى الشعبى منذ بدايات القرن الفائت، وبلغ الحكى عنها مستويات من الرعب والهلع، حتى صارت من كوابيس الحكى الشعبي، فقدمتهما الدراما المسرحية والإذاعية والتليفزيونية والسينمائية داخل مصر فى أكثر من اثنى عشر عملا، حتى ان الدراما السورية اتجهت لتجسيد حكايتيهما، وجميعهم قدموا الحدوتة من زاويتها المرعبة والمخيفة، ولما لا وصحف مصر- فى معظمها- فى توقيت وتاريخ وقوع الحادثة كانت تدين بالولاء للاحتلال البريطانى أو بالانصياع لسطوة القصر، فلا حقيقة إلا ما يعلنه الاحتلال وما يردده من ورائه بوق القصر (المنصاع). وحتى الآن لم تقدم موسوعة ويكيديا (البريطانية) العابرة للقارات سوى ما صنعته آلة الدعاية المعادية ونسجه خيال الاحتلال منذ قرنين من الزمان، فالحكاية باختصار هى أن شقيقتين مصريتين من أشهر السفاحين فى مصر، كونا عصابة لاستدراج السيدات والفتيات وقتلهن من أجل السرقة فى الاسكندرية، فى الفترة ما بين ديسمبر 1919 ونوفمبر 1920.. وهنا تنتهى الحدوتة البريطانية التى تتحدث أولا: عن تشكيل عصابى بهدف القتل والسرقة يتزعمه سيدتان فى مدينة سيد درويش مفجر الحركة الثورية ضد الاحتلال (فنيا) وثانيا: تكرر السردية البريطانية مفردة (مصر) في: سيدتين مصريتين، ومدينة مصرية، وأشهر السفاحين فى مصر، وأثاروا الذعر فى مصر… أليس من المهم التدقيق فى سبب تكرار الموسوعة البريطانية لمفردة: (مصر) وإقران صفة (المصرية) بالقتل والذعر.
كانت البداية عندما ولدت ريا فى قرية الكلح بمركز إدفو بأسوان 1875 وولدت سكينة فى كفر الزيات فى عام 1885 وتوفى والدهما وهما فى سن صغيرة، ثم انتقلتا مع والدتهما وشقيقهما إلى بنى سويف، ثم إلى كفر الزيات وهناك عملت الشقيقتان فى جمع القطن، وتزوجت ريا من حسب الله سعيد مرعي، وأنجبت الطفلة بديعة، وطفلا آخر توفى بعد ولادته، ثم انتقلت سكينة مع زوجها إلى الإسكندرية لتقيم فى حى اللبان نحو عام 1913 ولحقتها أختها ريا مع أسرتها، تطلقت سكينة من زوجها وتزوجت بمحمد عبدالعال الذى كان جارهم فى ذلك الوقت… وهذه حكاية انسانية اعتيادية على اسماع المصريين لا تخلق بالضرورة حالة من الإجرام. أما الحكاية الدعائية البريطانية فتقول: نشأت حالة من الذعر فى الإسكندرية بعد أن نزحت الشقيقتان (ريا وسكينة) فى بداية حياتهما برفقة والدتهما وشقيقهما الأكبر (أبو العلا) من أسوان إلى مركز كفر الزيات بالبحيرة، ثم إلى الإسكندرية، واشتغلت الشقيقتان فى الأعمال غير المشروعة كتسهيل تعاطى المخدرات ومعاقرة الخمور عن طريق إنشاء محال سرية لتلك الممارسات، والقوادة وتسهيل الدعارة السرية، ثم اقتياد النساء وقتلهن والاستيلاء على مصوغاتهن بمعاونة محمد عبدالعال زوج سكينة، وحسب الله سعيد مرعى زوج ريا، وآخران هما: عرابى حسان، وعبدالرازق يوسف.. وألقى البوليس القبض عليهم بتهمة القتل العمد لـ17 سيدة وتمت إدانتهم من قبل المحكمة، وتم إعدامهم فى 21 و22 ديسمبر سنة 1921 وتم نشر أسماء السيدات الضحايا بصحف الاحتلال والقصر: تسع قتيلات بمنزل رقم 38 حارة على بك الكبير، وثلاث منهن بمنزل رقم 5 شارع ماكوريس، حى كرموز، واثنتان بمنزل رقم 6، حارة النجاة، باجمالى 14 ضحية ولم تستطع اكمال اسماء أو بيانات بقية الـ17 قتيلة. وبقيت روايات بطلتى الاحداث متضاربة فى محضر النيابة، فلم يقدما اعترافات صريحة، فضلا عن تنحى وكيل النيابة كامل عزيز وكيل النائب العام بالاسكندرية بعد مداومته على مدار اثنى عشر يوما بالتحقيق مع المتهمين من قبل سلطة الاحتلال البريطانى ولم يستقر فى عقيدته إدانة المتهمين، حيث لم تمر التحقيقات بسهولة نظراً لتضارب روايات المتهمين، وتعدد الخيوط، وعدم كفاية الأدلة، وفى القادم ان شاء الله نتعرف على موقف الشرطة المصرية من زاوية جديدة!.