الدراما بشكل عام، والدراما التليفزيونية بشكل خاص، تُعدّ عماد الحياة الفنية، لكونها الأكثر مشاهدة وانتشاراً، حيث تحظى بمتابعة الملايين داخل الدولة وخارجها، خاصة مع تعدد القنوات الفضائية والانفتاح الإعلامى اللامحدود. ومع هذا الانفتاح، لم تعد هناك حدود حاكمة أو إمكانية للسيطرة الكاملة على المحتوى الذى يُعرض.
فى ظل هذا الواقع، تنطلق فنون التلفزيون بسرعة كبيرة، ليشاهدها العالم أجمع، سواء كانت تحمل رسائل إيجابية أو سامة. فالدراما، كسائر الفنون، قد تبنى أو تهدم، وقد تصدّر صوراً غير حقيقية سياسياً واجتماعياً. وكما أسلفنا، لم يعد بالإمكان التحكم فيما نصدره، تماماً كما فقدنا السيطرة داخلياً على جودة المحتوي.
شهدت الدراما المصرية، بكافة أشكالها، حالة من التراجع فى بعض الأعمال، ليس فقط على مستوى الحرفية والتقنيات، بل أيضاً فى الطرح والمعالجة والمحتوى الأخلاقي، مما أثّر سلباً على مكانتها وريادتها. وأصبحت بعض الأعمال الدرامية التليفزيونية نموذجاً واضحاً لهذا التراجع، سواء فى المعالجة الدرامية، أو طبيعة الصراع، أو الحوار المبتذل الذى أصبح سمة واضحة فى كثير من هذه الأعمال.
الأمر بلغ حدا استدعى تدخّل السيد الرئيس بنفسه، حيث وجّه بمتابعة أزمة الدراما، وهو ما دفع رئيس الحكومة إلى تشكيل لجان لدراسة هذه الإشكالية الخطيرة، التى تؤثر سلبياً على ثقافة وفنون مصر. وفى نظري، الحلول بسيطة ويسيرة، ويمكن تحقيقها من خلال إعادة تفعيل قطاع الإنتاج التليفزيونى بسرعة، لضمان تقديم أعمال ذات جودة ورؤية واضحة. كما يجب تشكيل لجان قراءة متخصصة تضم نقاداً وأكاديميين فى مجالات الفنون والسياسة والاجتماع، مع إعادة دور الرقابة التليفزيونية .
من الضرورى الاستعانة بالكُتّاب والمخرجين الكبار، إلى جانب دعم المواهب الجديدة تحت إشرافهم، لضمان انتقال الخبرات وتطوير الأجيال القادمة. كما يجب أن تتجه الدراما إلى تقديم الأعمال التاريخية والبطولية والشعبية، إلى جانب رصد الواقع المصرى بكل تفاصيله الاجتماعية، مع منح مساحة كافية لحرية الإبداع، والتركيز على إبراز الجوانب الإيجابية فى المجتمع المصري، بما يتناسب مع تاريخه العريق وريادته الثقافية والفنية.
فى هذا السياق، أوجه دعوة إلى وزير الثقافة، الدكتور «هنو» لفتح ملفات الدراما المسرحية فى البيت الفنى للمسرح، وملف المسرح الغنائى فى البيت الفنى للفنون الشعبية. كذلك، من الضرورى مراجعة مناهج تدريس المسرح والفنون فى معاهد أكاديمية الفنون والمراكز البحثية، مع العمل على الاستفادة من «أطلس الفنون الشعبية» بقصور الثقافة.
مصر، يا سادة، رائدة فى جميع الفنون والثقافة، وعلينا أن نحافظ على هذه الريادة، ليس فقط فنياً، بل ثقافياً وعقلياً ووجدانياً، لضمان بقاء روح الشعب المصرى متماسكة وملهمة. واليوم، لدينا فرصة ذهبية فى ظل اهتمام السيد الرئيس بهذا الملف الحيوي، فهل سنرى متابعة حقيقية لهذا التحدي؟!