ساقتنى أقدارى المهنية أن أكون شاهدا ومشاهدا للحظات سقوط «الدولة الوطنية « فى بعض الدول المحيطة ، كان السيناريو واحداً رغم اختلاف بعض التفاصيل بين دولة وأخرى ، لكن العناوين الكبيرة كانت موحدة ومقررة على الجميع ، البداية ثورات تنادى بالحرية وحقوق الإنسان والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية تخطط لها من وراء الستار اجهزة استخباراتية معروفة ويقودها فى العلن -وربما بحسن نية – مجموعات شبابية لديها من الحماسة والطموح ما يكفى لتحمل كل المتاعب والمصاعب ، يتبع هذه الثورات ويتزامن مع بعضها ظهور تيارات كانت كامنة او باطنية على المسرح لمحاولة السيطرة على الأحداث وتوجيه تلك الامواج الهادرة لصالحها سياسيا ، يتزامن مع ذلك تصدير صورة إلى الخارج مفادها ان الشعب مع هذا التيار ويطالب بالتغيير وإلا لن تستقر الأوضاع ، هنا تصبح الدولة الوطنية فى اختبار صعب ، فلو كان لدى هذه الدولة جيش وطنى بعقيدة وطنية لتدخل وضبط إيقاع الأحداث وحافظ على الدولة ومقدراتها واسرار وجودها ولم يجردها من سترها ، أما ان كان الجيش غير ذلك سنجد ونشاهد على الهواء ظهور الميليشيات المسلحة من دون الدولة ومن خارج رحم الجيوش الوطنية ، وساعتها سيكون هناك استباحة لاستخدام العنف وستتحول تلك الميلشيات الى ورم سرطانى داخل جسد الدولة ويتبعها ظهور الطائفية والعنصرية والمناطقية ثم التقسيم وفشل الدولة ، وحتى لا يكون الكلام كلاما فحسب فقد حدث هذا فى كل من السودان وليبيا واليمن ولبنان وسوريا والعراق وفلسطين ، سبع دول عربية أصيبت فيها الدولة الوطنية فى مقتل وظهرت الميليشيات المسلحة التى تناوئ الدولة علنا ، كما فى لبنان وحزب الله واليمن وجماعة الحوثى والسودان والدعم السريع والعراق والحشد الشعبى وسوريا حزب الله اما فلسطين فوجود الفصائل فى جانب والسلطة فى جانب أوصلنا إلى نفس النتيجة ، على كل لقد زرت عددا من الدول المأزومة ووجدت ما أحزننى وطنيا وإنسانيا ، ففى الدولة الواحدة يرفع أكثر من علم يمثل كل واحد منها جماعته او ميليشياته او تنظيمه ، كنت أنظر الى الجيش الوطنى او بقاياه فى تلك الدول وأحزن اشد الحزن على هذه الحالة من الضعف والخوف والانسحاق والانبطاح ، كنت أنظر إلى الميليشيات وأقول بينى وبين نفسى الحمد لله والشكر لله « لقد نجونا من الفخاخ المنصوبة « لقد كان مخططا لدولة بحجم مصر ان تتفكك وتتحول أحداثها إلى حرب اهلية لا يعلم مداها إلا الله ، مؤخرًا زرت اليمن الجريح « السعيد سابقا « وجاءتنى فكرة وانا أتجول وسط الركام وأمرّ على الحواجز المرورية داخل مدينة عدن وهى دعوة رموز المعارضة إلى الذهاب مناطق النزاع والصراع ليروا بأم أعينهم كيف تنهار الدولة الوطنية وماذا تصنع الميليشيات المسلحة فى البلاد – كل البلاد –