لابد أن حضراتكم تشاركوننى الرأى فى أن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تحملت تبعات الإحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا.. وأيضاً نتشارك فى معرفة تلك الضغوط التى تتعرض لها الدولة المصرية حالياً منذ أحداث السابع من أكتوبر فى 2023 عندما قامت حركة حماس بالهجوم على إسرائيل فيما أسمته «طوفان الأقصى» والذى راح ضحيته 50 ألف شهيد فلسطينى وما يقرب من 250 الف جريح لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون فى قطاع غزة الذى تسيطر عليه حركة حماس منذ عام 2007.. حيث تمارس الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حالياً أقصى درجات الضغط كى يتم تهجير أهالى غزة الى خارج القطاع سواء كان لمصر أو الأردن أو أى دولة أخرى.. وعربياً فإننا نرى تبايناً فى مواقف بعض الدول العربية تتسم بعدم الوضوح .
كان الرئيس القائد عبدالفتاح السيسى قارئاً جيداً لجميع تلك المعطيات منذ اليوم الأول لحدوثها ولذلك فقد كان واضحاً وحاسماً فى رفض فكرة التهجير بأى صورة من الصور سواء كانت طواعية أو إجبارية حتى من قبل أن يتولى الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية حيث كان موقف الرئيس يدل على إنه كان راصداً لبوادر الأزمة واثقاً من تفاقهما وتصاعدها مع تولى الرئيس ترامب وإنحيازه الكامل لإسرائيل.. ثم قام الرئيس بإدارة المرحلة الثانية من الأزمة عندما تحركت الدبلوماسية المصرية فى جميع الإتجاهات سواء العربية أو الأجنبية واستطاعت حشد الرأى العام العالمى بما فيهم منظمة الأمم المتحدة لرفض قضية تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه تحت أى ذريعة بل أن وزير الخارجية المصرى أعلنها بوضوح عند زيارته للولايات المتحدة الأمريكية رفض الإدارة المصرية لتهجير الفلسطينيين وهو ما دفع نظيره الأمريكى أن يعلن عن استعداد بلاده لتلقى أى مقترح آخر للتعامل مع الدمار الشامل الذى تعرض له قطاع غزة وهو ما تسعى اليه حالياً مصر فى إعادة تعمير القطاع دون تهجير أهله وهو الأمر الذى يتطلب تضافر الجهود العربية لتحقيق هذا الهدف حفاظاً على الشعب الفلسطينى وهويته وأرضه وجميعنا يترقب تنفيذ توصيات القمة العربية المصغرة فى الرياض و القمة الموسعة التى سوف تعقد فى القاهرة فى الرابع من شهر مارس القادم.
مازال الرئيس عبدالفتاح السيسى يدير الأزمة الفلسطينية بكل صبر وحكمة على الرغم من المعوقات التى تضعها إسرائيل احياناً وايضاً تلك التى تضعها حركة حماس احياناً أخرى حيث يقوم بعض كوادر الحركة بإصدار بيانات متضاربة هنا أو هناك تؤكد فيها إنها لن تتخلى عن وجودها وسيطرتها على قطاع غزة وبالتالى فإن أى عملية تفاوضية سوف تبوء بالفشل من قبل أن تبدأ.
من هذا المنطلق فإن مصر تقود المرحلة الثالثة من إدارة الأزمة من خلال إقناع حركة حماس ومن وراءها بضرورة تغليب المصلحة العامة للشعب الفلسطينى على مصلحة الحركة وضرورة إنكار الذات بهدف تحقيق المصلحة الوطنية وتغليب فقه الأولويات الذى يتمثل فى المقام الأول على منع تهجير الفلسطينين من أرضهم وإعادة إعمار القطاع وعدم منح الفرصة للعدو الإسرائيلى بتوجيه ضربات إنتقامية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل مرة اخرى وهناك مرحلة جديدة فى إدارة الأزمة الفلسطينية تسعى مصر بإدارتها الرشيدة الى تحقيقها وهى إقناع أو إجبار الجانب الإسرائيلى على السماح بإدخال المنازل سابقه التجهيز والخيام والمعدات الثقيلة اللازمة لإزالة الركام الناتج عن تهدم المبانى السكنية والإدارية والصحية فضلاً عن المواد الغذائية بالكميات المطلوبة لتوفير الحد الأدنى من الحياة للعائدين الى مناطقهم التى طالها التدمير المنهجى الشامل ولكى تحقق مصر ذلك ولانها تدرك أبعاد العدوانية الإسرائيلية ولإنها ترغب فى إعادة الإستقرار الى القطاع والأمل لسكانه سارعت الى إقفال باب الذرائع الذى تتكئ عليه كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وفتحت المجال أمام كافة الأطراف للمشاركة فى عمليات التفاوض بعد أن نجحت فى تهيئة الرأى العام العربى والدولى للدفاع عن الحق الفلسطينى فى أرضه وحياته ومستقبله.
نحن الآن على مشارف مرحلة جديدة من مراحل إدارة الأزمة الفلسطينية لضمان بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه وهذه المرحلة تقوم على إعداد خطة متكاملة لإعادة إعمار القطاع لاسيما أن المرحلة الثالثة من إتفاق وقف إطلاق النار تنص على ذلك وتشتمل على تخصيص مناطق آمنة لنقل السكان داخل القطاع فى أول ستة أشهر من الدخول فى حالة الإستقرار وإنشاء وحدات سكنية آمنة بعد نحو 18 شهراً.. ضمن تصور مصرى شامل ليس لإعادة الإعمار فقط وإنما لبلورة إطار لحكم القطاع من المفترض أن حركة حماس لن تكون الرقم الأول فيه على الرغم من تصريحات كوادرها غير المسئولة والتى قد تعود بالقضية الى المربع صفر.
تلك هى الخطوات التى رسمتها مصر سعياً لإنقاذ قطاع غزة من العودة الى حرب الإبادة.. وهذا هو المنهج المعلن بكل وضوح وشفافية من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى لإدارة الأزمة الفلسطينية الحالية.