محكمة زنانيرى فى شبرا مصر أشبه بامبراطورية شعبية لأصحاب الابتلاءات فى حياتهم الزوجية باعتبارها أكبر ساحة مرعبة لتفاعلات قضايا الزواج والطلاق والخلع وإثبات النسب وأشياء أخري. فهى أقدم مكان عرف قضايا الأسرة والأحوال الشخصية على أرض المحروسة.
الدخول إلى عالم زنانيرى أشبه بالولوج إلى مغارة على بابا.. الزحام شديد فوق طاقة أى تصور وإذا لم يكن معك خريطة محددة لطلبك وعند من وبالاسم ستغرق فى دوامات التيه وستقضى يومك كعب داير بين المبانى المتعددة والمتجاورة المكتظة دائماً بأمواج من البشر ليس من القاهرة فقط بل من كل المحافظات والمحفوفة بخليط هادر من المنتظرين على سيل المقاهى المحيطة بالمكان.
أسهل إجابة يمكن أن تحصل عليها من أى موظف.. اطلع فوق.. فى المبنى الخلفي.. هات رقم من البوابة الرئيسية.. بعد أن تكون حجزت دورك فى طابور طويل وعريض بالمئات.
تزول الدهشة قليلاً عندما تعرف أن محكمة زنانيرى تضم أكثر من 12 دائرة تنظر دعاوى الطلاق والخلع والنفقة وإثبات النسب و»رول الجلسات» يومياً يتجاوز أكثر من 300 قضية أسرة!
حظى العاثر قادنى مع واحد بلدياتى جاء لاستخراج صورة من محرر رسمى «وثيقة زواج «أصلية بعد تعذر استخراجها من مكاتب السجل المدنى فى المركز أو المحافظة رغم وجود صورة ضوئية.. والسبب الذى اكتشفه الخبراء أن الوثيقة لم يتم إدخالها على الكمبيوتر عند الميكنة.. فقد نسى السيد الموظف اتمام العملية.. والحل لا بد من زنانيرى لأن المأذون تابع لشبرا مصر.
بدأت رحلة العذاب بعد تقديم الطلبات الرسمية والتأكد من أن الوثيقة فعلاً غير مدرجة على الشبكة.. طبعاً بعد عذاب مع الموظفين واحالات إلى مكاتب سجل مدنى أخرى كان يقيم فيها صاحب الطلب.. المهم تم الختم والإحالة إلى الأرشيف لاستخراج الوثيقة.
المسئول بترحاب شديد.. نعم فوت علينا بعد عشرين يوماً على الأقل ويفضل الاتصال قبلها للتأكد هل هى موجودة أم لا..
مرت الأيام العشرين دون جدوي. وبالسؤال..أجاب الموظف المختص اسأل نهاية الأسبوع القادم.
– ليه خير إن شاء الله؟
– لأ أبداً لأن الغرفة الخاصة بوثائق شبرا ومصر الجديدة مغلقة وتحتاج إلى إذن من النيابة لفتحها.
بعد أسبوع.. الحمد لله تم فتح الغرفة ولكن يجب الانتظار لأن لدينا طلبات منذ شهور ونحن ننجز الطلبات!!
طبعاً هذا الكلام بعد الزيارة الرابعة.. طلبت من الموظف البحث عن طريقة للإسراع باستخراج الوثيقة نظراً للحاجة إليها بشكل عاجل.. فطلب منى انتظار موظف آخر يأتى بعد الانتهاء من صلاة الظهر فى زاوية عند البوابة.
لفت انتباهى انهيار سيدة كبيرة بالبكاء وتشكو حالها إلى الله بصوت عال.. يبدو أنه قد فاض بها الكيل تقول ودموعها على خدها: .. يا رب أنا صاحبة مرض.. رسوم ودفعنا مشاوير واتهرينا. صبر وصبرنا.. حرام حرام عليكم!!
اقتربت منها لاخفف عنها قليلاً وطلبت منها ان تهون على نفسها.. قالت: شهرين ونصف منتظرة وأنا مش طالبة المستحيل.. صورة من وثيقة طلاق من التسعينات.. وكل مرة يخبرنى الموظف أن المدة بعيدة وعلى الانتظار ..أو مال لو كانت من سنة 1800!! المشكلة محتاجين لها ضرورى لإنهاء القيد العائلى ابنى محتاج ضرورى القيد يخلص والوقت يمر وليس فى صالحنا!
كانت تجلس بجوارها سيدة فى مقتبل العمر تلتحف السواد قالت بحسرة أنا بقالى سنة ونصف أجرى علشان استخرج صورة من قائمة المنقولات الزوجية وبسببها دخت السبع دوخات بعد انفصالي.. قالت بأسى وأخيراً سوف اتسلمها اليوم بعد عذاب!!
لا أحد من المترددين إلا وكان يسأل بغيظ وحنق ويردد.. أين الميكنة والكمبيوتر واستخراج الوثيقة فى دقيقة والقضاء على الروتين والبيروقراطية؟
للحقيقة بقى أن نشير إلى أن وزارة العدل بذلت فى الآونة الأخيرة جهوداً كبيرة لإصلاح منظومة التقاضى والارتقاء بصروح تحقيق العدالة حيث تم إعداد مقار حديثة لخدمة المتقاضين وتقريب العدالة للمواطنين من خلال إنشاء أبنية متطورة وتزويدها بأحدث الأجهزة الخاصة بتسجيل الدعاوى وحفظ المستندات وتم افتتاح عدد من مجمعات المحاكم بمحافظات الجمهورية فضلاً عن إنشاء مدينة متكاملة للعدالة فى العاصمة الإدارية.
نطالب سعادة المستشار عدنان فنجرى وزير العدل بالقاء نظرة رضا على الخدمات الجماهيرية وأماكن تقديمها والارتقاء بها لراحة المواطنين خاصة من يضطرون إلى الانتظار طوال اليوم وبعضهم يعانى ويلات المرض فضلاً عن عذابات السفر والمواصلات فى ظل عدم وجود أماكن انتظار كافية ومتناسبة مع الأعداد الغفيرة من المترددين.. وغير بعيد عن هذا الاهتمام بنوعية الموظفين الذين يتعاملون مباشرة مع المواطنين طالبى الخدمات ..وياحبذا لو خضعوا لرقابة أجهزة التفتيش والمتابعة وللتعرف على مشكلاتهم والمصاعب التى يواجهونها فى تقديم الخدمة وأسباب عرقلتها وكيفية معالجتها بطرق علمية سليمة.
الإنجازات الكبيرة التى تحققت فى القطاعات المختلفة خاصة عمليات التحول الرقمى لتسهيل إنجاز الخدمات للمواطنين فى القطاعات المختلفة تحتاج إلى رعاية مستمرة وعمل دائم لضمان استمرار النجاح وحتى لا يتسبب اهمال هنا أو هناك فى تلويث ثوب العدالة ببقع سوداء واهالة التراب على كل ما هو جميل.
والله المستعان