مصر اليوم تواجه حرباً جديدة من نوع مختلف، حرباً تستهدف العقول وتعمل على تقويض ثقة المواطنين في مؤسساتهم الوطنية، وعلى رأسها الجيش المصري. منذ سنوات طويلة، يتعرض المصريون لحملات ممنهجة من الشائعات، تدار بواسطة «ميليشيات الفضاء الإلكتروني» التي تعمل بكل جهد على نشر الأكاذيب وتشويه الحقائق بغرض زعزعة الأمن القومي وتقويض استقرار البلاد.
هذه الحرب ليست عشوائية، بل هي منظمة وتعمل بأسلوب مدروس يستهدف نقاط الضعف وتستغل الأزمات لزيادة التأثير السلبي. تكمن خطورة الشائعات في قدرتها على الانتشار السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُصبح كل كذبة، حتى وإن كانت صغيرة، قادرة على إحداث تأثير واسع يصل إلى جميع فئات المجتمع، مما يصعب على المواطنين التمييز بين الحقيقة والوهم.
الدولة المصرية، رغم ما تواجهه من تحديات داخلية وحرب إلكترونية تستهدف زعزعة استقرارها، تبذل جهوداً دبلوماسية وإنسانية جادة لدعم القضية الفلسطينية وحماية الشعب الفلسطيني. فمنذ اندلاع الأزمة في غزة، وقفت مصر في مقدمة الدول الساعية لوقف الحرب وتخفيف معاناة الفلسطينيين، حيث قامت بتقديم المساعدات الإنسانية وفتح معبر رفح وكافة المواني والمطارات من اجل استقبال الاعانات من كافة الدول لإدخال الإمدادات الطبية والغذائية للمدنيين المتضررين والتي ساهمت بالنصيب الاكبر من المساعدات 80% كما قادت مفاوضات مكثفة بين الأطراف المعنية للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، بما يحمي حياة الأبرياء ويعيد الأمل بالاستقرار إلى المنطقة. ورغم حملات التشويه التي تحاول النيل من موقف مصر الثابت تجاه فلسطين، تبقى القاهرة وفية لدورها التاريخي وداعمة للحقوق الفلسطينية المشروعة، مؤكدةً أن القضية الفلسطينية تأتي في مقدمة أولوياتها القومية، وأن التزامها تجاه الشعب الفلسطيني وثوابتها تجاه حقوقه العادلة لن تتغير مهما كانت الضغوط.
الهجمات المنظمة التي تستهدف زعزعة ثوابت الجيش المصري تستغل الوضع السياسي والاقتصادي لخلق بيئة من الشك والخوف. تستخدم الشائعات بطريقة تهدف إلى التأثير على الروح الوطنية وتقويض ثقة الشعب بجيشه، حيث تُظهر الأكاذيب المؤسسة العسكرية بشكل مشوه، مُحاولة طمس التضحيات التي يبذلها الجنود وضباط الجيش للحفاظ على أمن وسلامة مصر. وتأتي هذه الهجمات في توقيتات محسوبة، تستغل فيها أي تدهور أو توتر داخلي، ما يعزز من انطباع المواطنين بأن هناك ضعفاً أو خللاً في مؤسساتهم الوطنية. كل ذلك يُشير إلى وجود تخطيط منظم وممنهج يقف خلفه أطراف خارجية وداخلية تسعى إلى إحداث فتنة داخل المجتمع المصري وتشويه صورة الجيش الذي يمثل صمام الأمان للوطن.
هذه الحملات المضللة تحمل أهدافاً بعيدة وقريبة في الوقت ذاته. فهي تسعى لتقويض ثقة الشعب بمؤسساته، من خلال بث الأكاذيب حول الأداء الحكومي والتشكيك في القرارات الاقتصادية والسياسية. وعندما تتراجع ثقة المواطنين في مؤسساتهم، يصبح من السهل على الأعداء استغلال هذا الضعف لفرض أجنداتهم والتأثير على مستقبل البلاد واستقرارها. كذلك تهدف هذه الحرب إلى إضعاف مكانة مصر الإقليمية والدولية، فهي تمثل حجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط واستقرارها يمثل استقراراً للمنطقة بأسرها. وعندما يتم استهداف مصر بهذه الطريقة، فإن الهدف ليس فقط زعزعة استقرارها الداخلي، بل أيضاً إحداث تأثيرات أوسع تمتد إلى الإقليم ككل، مما يخدم مصالح القوى التي ترى في قوة مصر تهديداً لنفوذها.
جزء من تكتيكات هذه الحرب يستند إلى استنزاف طاقة الدولة وإجبارها على إنفاق الموارد لمواجهة الشائعات بدلاً من التركيز على مشاريع التنمية. تستنزف الشائعات وقت المؤسسات ومواردها للرد على الأكاذيب وتفنيدها، وهذا يؤدي إلى تعطيل الجهود التي تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن وتنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي. فالخوض في مواجهة مستمرة مع الأخبار الكاذبة يشكل عبئاً ثقيلاً يشتت الانتباه عن الأولويات الوطنية ويخلق بيئة من التوتر والإرباك. ما يجعل هذه الحرب أكثر شراسة هو أنها تستهدف الجوانب النفسية والعاطفية لدى الشعب المصري، مما يجعلها معركة صعبة تتطلب تكاتف الجميع لمواجهتها.
وللتصدي لهذه الحرب الإلكترونية الخبيثة، يجب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التمييز بين الأخبار الحقيقية والزائفة. من الضروري أن تقوم وسائل الإعلام الوطنية بدورها في توضيح الحقائق ونقل الصورة الصحيحة للمواطنين، إذ يُمكن للتثقيف الإعلامي أن يكون خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الهجمات. كذلك، على المؤسسات التعليمية والمؤسسات الدينية تعزيز قيم الولاء والانتماء للوطن في نفوس الشباب، فالإحساس بالانتماء هو الحصن الأول ضد محاولات التفرقة التي تستهدف وحدة المجتمع المصري. كما يمكن للمواطنين لعب دور فعال في مواجهة هذه الشائعات عبر تجنب تداول المعلومات غير الموثوقة والتحقق من مصادر الأخبار قبل نشرها.
وبما أن الجيش المصري هو الركيزة الأساسية للأمن القومي، من الضروري أن تبقى ثقة الشعب ثابتة وقوية تجاه هذه المؤسسة الوطنية. ويجب أن يكون هناك دعم مستمر للجهود التي يقوم بها الجيش في حماية الوطن، بما يشمل توضيح إنجازاته ونقل الصورة الحقيقية لتضحياته. فالمعركة ليست فقط على الحدود، بل هي معركة للحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء.
في النهاية تبقي كلمة، هذه الحرب التي تواجهها مصر ليست معركة تقليدية، بل هي حرب حديثة تستخدم المعلومات كسلاح وتستهدف زعزعة استقرار الدولة عبر الفضاء الإلكتروني. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، يبقى وعي الشعب المصري وحرصه على حماية وطنه هو السلاح الأقوى في مواجهة هذه التحديات. تماسك الشعب وثقته بمؤسساته هي الرد الأمثل على محاولات النيل من مصر وجيشها، وما يتطلبه الأمر هو المزيد من التعاون والتكاتف من قبل جميع مؤسسات الدولة، الإعلام والمجتمع المدني، للوقوف صفاً واحداً في وجه هذه الهجمات الإلكترونية الشرسة.