لم أكن أعلم أن المبنى ليس هو الأساس والأهم.. ولكن اتضح لى فيما بعد أن الأشخاص هم كل شيء فى أى عمل.. هذا اكتشفته بعدما حطت قدماى تلك المؤسسة العريقة أوائل الثمانينات لأكون ضمن فريق العمل وواحداً منهم.. فقد تدربت وتعلمت الكثير واجتهدت حتى أفسحت لنفسى قدماً راسخة وسط هامات وقامات مهنية يشار لها بالبنان.. ومازالت أسماء بعينها محفورة فى ذاكرتى.
أقول ذلك بمناسبة العيد الـ 17 لتأسيس جريدة الثورة وصوت الشعب «الجمهورية» تلك الجريدة العريقة التى انتسبت إليها ولى الشرف بفضل الله تعالى أولاً وبمساعدة قريبى الدكتور عبدالأحد جمال الدين وزير الشباب والرياضة الأسبق الذى ذهبت إليه واستقبلنى بحفاوة عندما علم بأننى ابن أستاذه ومعلمه عندما كان طالباً.. وطلبت منه فى البداية العمل فى جريدة الأهرام فاعتذر لأنه ألحق ابنة شقيقه ولا يجوز أن يطلب ذلك من رئيس مجلس الإدارة فى هذا التوقيت وإرضاء لى عرض عليّ مجلة روزاليوسف فرفضت لكونها أسبوعية ثم عرض جريدة الجمهورية.. فرفضت بسبب مبناها القديم والذى لا يضاهى مبنى الأهرام معتقداً أن الصحافة بالمبني.. وخشية ضياع الفرصة وافقت.. وخيراً فعلت ذلك.. لأننى وجدت بداخلها عمالقة وأساتذة ونجوماً مازالت لهم بصمات رائعة حتى الآن.. ويكفى أنها جريدة الثورة ومؤسسها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وكان مديرها العام الراحل أنور السادات وتعاقب عليها رؤساء تحرير أمثال طه حسين وموسى صبرى وكامل الشناوى وإسماعيل الحبروك وإبراهيم نوار وصلاح سالم وعبدالمنعم الصاوى وفتحى غانم ومحسن محمد وغيرهم.
أذكر أن أول من استقبلنى أستاذى ناجى قمحة حيث كان مديراً عاماً للتحرير وأرسلنى إلى قسم الحوادث.. فانزعجت لتذكرى فيلم يوم من عمرى لزبيدة ثروت وعبدالحليم حافظ عندما كان صحفياً وعبدالسلام النابلسى عندما كان مصوراً فى الفيلم وأن من يغضب عليه رئيس التحرير ينقله إلى قسم الحوادث.. ولكن استسلمت وذهبت إلى الأستاذ علاء الوكيل رئيس قسم الحوادث ومع مرور الوقت استطعت أن أجد مكاناً وسط الزملاء فى هذا القسم الذى اعتقد أنه يصنع الصحفى ويجعله لامعاً ومعه بدأ إعجاب الأستاذ ناجى قمحة واهتمامه بى وكذلك رئيس التحرير محفوظ الأنصاري.. وكان يتم إرسالى إلى الحوادث المتعلقة بالجماعات الإسلامية فى بنى سويف والإسماعيلية وكان أمن الدولة يطلبنى بالاسم للتغطية، وصار اسمى لامعاً مع زملاء لى بالقسم أيضاً أمثال جمال عقل وحسين الشايب، بعد ذلك قمت بتغطية أخبار محافظة القاهرة بدلاً من الزميل محمد رأفت لمرضه مما أضاف لى خبرة ثم قمت بتغطية أخبار وزارة الثقافة والآثار والتى من خلالها تعرفت على الكثير من تراث الأجداد والحضارة المصرية العريقة.
كما أتذكر أن أول تحقيق صحفى كان عن ورش تصنيع «بمب» العيد وذهبت إلى عزبة أبوحشيش بغمرة والتى كانت مشهورة بتلك الصناعة وعندما عرف أصحاب الورش أننى صحفى رفضوا الحديث معي.. وخشية فشلى وخوفى من رئيسى فى العمل كسرت قلمى ومزقت أوراقى وقلت لهم بلاش الموضوع ولنتسلى فى الصيام حتى آذان المغرب واستطعت استدراجهم حتى عرفت كل شيء عن هذه الصناعة وحفظت أسماءهم وبعد صلاة العشاء ذهبت إلى الجريدة.. وقمت بكتابة الموضوع من ذاكرتى ليفاجأوا بالموضوع منشوراً فى الجريدة «ثانى يوم».. وأذكر أننى خلال ذهابى لتغطية حادث قتل فى الدقى فوجئت بأحد أقرباء القتيل يهددنى بطبنجة ويقول لى لو صعدت إلى الشقة سأطلق عليك الرصاص واستطعت بفضل الله وبدراستى لعلم النفس أن يأخذنى بنفسه ويساعدنى فى التصوير ومعرفة ملابسات الحادث، وأذكر أنه كان لى السبق فى نشر موضوع عن حياة المطرب عبدالوهاب وكيف كان يأكل وكيف يتعامل مع الذين يخدمونه وهل كان بخيلاً.. ولطرافة الموضوع حصلت على 05 جنيهاً مكافأة من رئيس التحرير محفوظ الأنصاري.. لأننى أول صحفى يكتب عن ذلك.. وكانت المناسبة ذهابى إلى شقة عبدالوهاب فى الزمالك عقب وفاته لعمل تغطية عن وفاته بدلاً من الأستاذ صلاح درويش نجم الفن فتطرق إلى ذهنى وقتها الذهاب للمطبخ بحجة شرب الماء وسألت الذين بداخله عن مأكل المطرب وعلاقته بهم بعدما يئست ومن معى عن كتابة شيء لرهبة الموقف.
وأتذكر أننى انفردت بموضوع عن الأديب نجيب محفوظ بعد حصوله على جائزة نوبل حيث ذهبت إلى مسقط رأسه وحاورت الذين كان يتعامل معهم كالحلاق والبقال وكان الموضوع باسم «الذين كتب عنهم نجيب محفوظ» وصراحة كانت فكرة أستاذى ناجى قمحة الذى صراحة كان يشجعنى وكان له الفضل فى تعيينى قبل زملاء سبقونى فى دخول الجريدة، كما كان له الفضل فى اختيارى لأنضم إلى فريق الديسك المركزى «المطبخ» الذى صقل موهبتى وحتى لآن.
صراحة.. أدين بالفضل لجريدتى محبوبتى التى علمتنى كيف أحصل على الخبر.. وكيف أتمكن من تأليف 11 كتاباً كما أدين بالفضل للكثير من الزملاء الأكبر منى سناً والأكثر خبرة والذين كانت لهم بصمات فى بلاط الصحافة.. ولا أنسى الأستاذ سمير رجب الذى كان سبباً فى بناء الصرح الكبير الذى نقيم فيه الآن بشارع رمسيس والذى كان حلماً لكافة زملاء المهنة.. وفى النهاية لى الفخر بأننى ابن الجمهورية وللعاملين جميعاً الفخر بجريدة الثورة التى تأسست عام 3591 فى 7 ديسمبر لتكون بحق صوت الشعب.. وستظل بمشيئة الله المنارة والرائدة فى بلاط صاحبة الجلالة.
وللحديث بقية مع مسيرة الجمهورية