نستكمل الحديث عن الحملات الثقافية العابرة للقارات والحضارات بهدف تزييف الوعي، وكان مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قد فرض ظرفه الزمانى على الحديث من خلال ملاحظات كانت ايجابية استوجبت الحديث عنها ضمن (الأمن الثقافي) ولا يمنعنا الحال من استمرار الحديث عن ملاحظاته السلبية من قبيل تصويب الاتجاه، وسيأتى فيما بعد تفنيد آليات الهجوم الثقافى على الوعى المصرى بهدف التشويه، فالتضليل، ثم الحلحلة، وانتهاءً بالبدل أو التغيير لإحلال نماذج غير حقيقية محل هويتنا الثقافية الوطنية، كما كان فى تكريم المخرجة «ماتى دايوب»، تابعة الشيخ أنتا دايوب السنغالى 1923 ــ 1986، مؤلف كتاب «الجذور الزنجية للحضارة المصرية» وسيأتى الحديث عنه لاحقا وكذلك فيلم «10000 عام قبل الميلاد» المشوه للتاريخ المصرى القديم وكلا العملين ( الكتاب) و(الفيلم) هما من نماذج آليات الهجوم على الحضارة المصرية القديمة وبالتالى هى محاولات ــ لم تلق صد أو مواجهة ــ للهجوم على الثقافة الوطنية. ونستكمل استخدام أحد ألوان الثقافة ومنها فن النحت فى تذخيرة كأسهم تنال من الهوية الوطنية، وكان تمثال الحرية الذى تبدلت عبارته من (مصر تحمل الضوء لآسيا) إلى (٤ يوليو 1776) لتتغير وجهة التمثال من قناة السويس إلى نيويورك، فقد كلفت فرنسا فريدريك بارتولدى لتصميم وبناء التمثال، وافتتح التمثال فى 28 اكتوبر 1886 بحضور رئيس امريكا جروفر كليفلاند.. ولم يعد أحد يتحدث عن اصل التمثال ووجهته إلى قناة السويس من باريس بل إلى غرب الأطلنطى عند حافة القارة الأمريكية وكأنه صمم من البداية احتفالا باستقلال أمريكا عن بريطانيا العظمي.. وقبل عشر سنوات من تصميم هذا التمثال كانت الحكاية الحقيقية وهى التى بدأت برفض الخديوى إسماعيل عرض بارتولدى بتصميم وتنفيذ تمثال الفلاحة المصرية ليوضع بارتفاع يزيد على 40 متراً عند مدخل قناة السويس، وبذلك يكسب هذا المثّال النحات الفرنسى الشاب صيت ما بعده صيت من ان يكون تمثاله عند مدخل أهم شريان ملاحة عالمي، فضلا عن المقابل المالي، وبالطبع تبعية شهرته المقترنة بقناة السويس التى سوف تدر عليه من المكاسب المالية والأدبية مزيدا من الأعمال الفنية، وانهارت الأحلام عند رفض خديو مصر، وطفحت الأحقاد عند الفنان الذى تخلى عن سمو الفن ورسالته، وهنا شرع فى تنفيذ مخطط انتقامى من مصر التى رفضت تمثاله، فبدأ فى تنفيذ تمثال فى 1875 للعالم اللغوى الفرنسى الذى استطاع فى 27 سبتمبر 1822 من فك طلاسم ورموز حجر رشيد، وهو جون فرانسوا شامبليون (1790 ــ 1832) وذلك من خلال مقاونته النصوص التى كانت موجودة على حجر رشيد.. وللحديث بقية.