فى مثل هذا الوقت من كل عام تعلن الدولة المصرية بكافة وزاراتها ومؤسساتها رفع درجة الاستعداد إلى الحالة القصوى احتفالا بانطلاق موسم حصاد القمح .. «الذهب الحقيقي» الذى يعتز به المصريون منذ الاف السنين ويعتبره الفلاح المصرى الصديق الوفى الذى يمد له يد الخير والبركة والرزق الوفير .. العلاقة بين الفلاح المصرى والقمح ازلية وأبدية وبينهما رباط وثيق مقدس تعززه الايام وكلما مرت السنون ازداد قوة ومتانة.. والقمح بالنسبة لمصر هو الامن والامان والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى وعماد أساسى للأمن الغذائي.. ومن عام لأخر تزداد اهمية القمح بالنسبة لمصر والمصريين وينمو بداخلنا جميعا الحلم الكبير بالوصول الى حالة الاكتفاء الذاتى من القمح والتوقف تماما عن استيراده. ومن لطف الخالق بمصر ورعاية السماء الدائمة للمحروسة وأهلها.. انطلق موسم توريد القمح هذا العام مبكرًا.. التغيرات المناخية وقرب المساحات المنزرعة بالقمح من الظهير الصحراوي، تسبب فى نضج مبكر لمحصول القمح، بينما السلالة الجديدة تسببت فى إنتاج قمح ذات حبة أكبر وأكثر وزنًا مما يعود بالنفع على المزارع فى المقام الأول.. وكانت نقطة البداية من محافظة الفيوم إذ تسبب النضج والحصاد المبكر، فى تقدمهم بطلب إلى وزارة التموين للموافقة على فتح موسم التوريد مبكرًا عن موعده بنحو 10 أيام، وجاءت التباشير قوية ومشجعة حيث شهد أول أيام التوريد استقبال الصوامع لأكثر من 700 أردب وهى كمية كبيرة فى أول أيام التوريد مقارنة بالأعوام الماضية.
الزراعة استعدت مبكرا لموسم حصاد محصول القمح، ووفرت معداتها الحديثة لتكون فى متناول الفلاحين فى كافة محافظات مصر وتقديم الدعم للمزارعين والجمعيات الزراعية، فضلا عن المساهمة فى عمليات الحصاد فى المشروعات الزراعية القومية الكبرى والعملاقة، خاصة فى الفرافرة والمنيا وتوشكي.. وقال وزير الزراعة إن محصول القمح واحد من أهم الحاصلات الزراعية الاستراتيجية التى تأتى فى مقدمة أولويات الدولة والمزارعين، وهى المسألة التى تحتم ضرورة الاحتكام إلى القواعد العلمية والإرشادية الساعية لتحقيق أفضل النتائج المأمولة، بحلول نهاية الموسم ومرحلة الحصاد.
حزمة من الاجراءات اتخذتها الدولة هذا العام لتحفيز المزارعين لتوريد أكبر قدر ممكن من إنتاج القمح لهذا الموسم أهمها زيادة نقاط استلام القمح وخاصة فى مناطق التركيز لزراعة القمح والسداد النقدى الفورى للمزراعين بحد أقصى 48 ساعة، وتفعيل دور مديريات الزراعة والجمعيات التعاونية وبالتنسيق مع المحافظين ومسئولى وزارة التموين والجهات المسوقة تم إصدار قرار بمنع تداول القمح بين التجار ونقله خلال فترة الموسم إلا بتصريح.
وزارة التموين استعدت هى الاخرى لموسم توريد القمح المحلي، ونجحت فى تجهيز ما يقرب من 420 نقطة تجميع لاستقبال الاقماح من الموردين والمزارعين فى جميع الصوامع التابعة لوزارة التموين إضافة إلى صوامع البنك الزراعى المصرى وصوامع القطاع الخاص والهناجر والبناكر.. ومن أهم الحوافز التى أهدتها الدولة للفلاح هذا الموسم قرارها بزيادة سعر توريد القمح ليصبح 2200 جنيه بما يفوق سعر القمح المستورد، تشجيعا للمزارعين على زيادة معدلات التوريد للدولة لتأمين احتياجات المواطنين من الخبز المدعم، وبما يساهم فى تخفيض فاتورة الاستيراد وسد الفجوة بين الانتاج والاستهلاك.. وقرر الوزير إنشاء غرفة عمليات مركزية دائمة يترأسها شخصيا بالوزارة لمتابعة عمليات التوريد، إضافة إلى إنشاء غرف عمليات مركزية بكل مديرية وغرف عمليات بالإدارات التابعة لها لمتابعة توريد القمح وتذليل العقبات. ويستمر موسم التوريد لمدة أربعة أشهر.
واذا كان الذهب العادى يشهد فى الفترة الاخيرة ارتفاعا جنونيا فى اسعاره عالميا بسبب حرب ترامب التجارية ضد منافسيه .. فان القمح – الذى يعتبره المصريون «ذهبهم الحقيقي» ويرونه اكثر لمعانا وبريقا من ذلك المعدن الذى تتزين به نساؤهم يبشرنا بموسم رائع وحصاد وفير هذا العام ويحمل معه الخير والبركة والنمو والنماء والامن الغذائى .. بقى ان ننبه على حسن معاملة العاملين فى الشون والصوامع وهم يتسلمون الاقماح للمزارعين وان يستقبلوهم بابتسامة عريضة ومعها أموالهم التى يستحقونها عن جدارة فهل مقابل موسم طويل من التعب والمشقة وحبات العرق وساعات التعب وأيضاً فرحة الحصاد ومشاعر الامل التى تملأ قلوبهم ونظرات الثقة فى المستقبل الآمن المزدهر لهم ولأولادهم.. تعيش ياذهب مصر الحقيقي.. تعيشى يافرحة المصريين بالحصاد الوفير.. تعيش ياقمح النيل حامل الخير والنماء على مر السنين.