هكذا تمضى أيام شهر رمضان المبارك سريعاً كما هى عادته كل عام وقد حاول كل منا أن يستفيد من كرم هذا الشهر كل بطريقته وأعتقد أن الغالبية العظمى كانت حريصة على متابعة بعض البرامج الدينية القريبة إلى العقل والقلب خاصة برنامج «الإمام الطيب « مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وبرنامج «نور الدين» الذى يقدمه فضيلة الإمام على جمعه مفتى الجمهورية الأسبق وأيضاً برنامج «قطايف « للفنان سامح حسين والذى يُبث على منصات التواصل الاجتماعى والذى أشاد به السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً.
والواقع أن تلك اللقاءات وهذه الأحاديث جميعها تجتمع على «تعزيز الخطاب الأخلاقى» وذلك فى زمن انحدرت فيه الأخلاق والقيم وأساليب التعامل إلى أدنى درجاتها .. ومن هنا جاءت أهميتها وتوقيتها لعلنا نعود إلى سابق عهدنا ونعلم أبناءنا ونعود بهم بعض الشىء إلى أسس التعاملات الصحيحة والقيم والمبادئ الإنسانية السمحة ونقتدى بنماذج ناجحة فى الحياة بعيداً عن العنف والهمجية والبذاءة والانحطاط.
إن الأخلاق الحميدة هى حقاً أكسير الحياة لدرجة أن الإسلام بل والأديان السماوية جميعها تحث على حسن الخُلق والبعد عن المشاحنات والمشادات فى حياتنا اليومية ومراعاة قاعدة «أن الدين المعاملة» وإنه يجب الارتقاء بالإنسان فى سلم الحضارة والقيم لكى يتحلى بالأخلاق والفضيلة فى تعاملاته مع الآخرين وتزدان حياته بحسن الخلق وسماحة النفس وغيرها من الصفات التى يكتسبها فى رحلة حياته نتيجة التعلم والإدراك والفهم لفوائد مكارم الأخلاق التى جاءت بها الشرائع السماوية لتعلمه كيف ينمو ويرتقى وفقاً لمناهج محكمة بعيدة عن الانحرافات السلوكية التى تبيح ما لا يجوز من الأفعال التى أصبحت مشهداً مألوفاً فى حياتنا.
لقد جاءت الرسالات السماوية داعية فى جوهرها إلى الفضائل الأخلاقية وبث القيم فى النفس البشرية والسمو بها إلى أعلى مراتب الفضيلة والترفع عن كل رذيلة.. كما نادت الأديان والشرائع بمبادئ وقيم يكمل بعضها بعضاً .. إلا أن واقعنا الراهن يشهد للأسف سلوكيات خاطئة تسيطر على سلوك الكثير من الناس ضاربين بالقيم الأصيلة والمُثل العليا فى التراحم والتكامل والتضامن والوحدة والإيثار والوفاء والإخلاص عرض الحائط.
الواقع أن مسئولية تعزيز القيم الأخلاقية يجب أن تنحصر فى التأثير اللحظى للبرامج الدينية والإنسانية التى أشرنا إليها بل إنه لابد أن يتلاقى معها أساليب تربوية جديدة تتلاءم مع روح العصر وتطور الحياة وظهور أساليب مبتكرة للتواصل مع الإنسان فى حياته اليومية معظمها تؤدى به إلى سلوكيات خاطئة أو على الأقل لا تتواءم مع قيمنا وأخلاقنا.. ومن هنا كان لابد من ايجاد أساليب تربوية وأسرية حديثة وواعية تعد معياراً مقبولاً للتطور الذى يشهده العالم حالياً.. فعلاقة الآباء مع الأبناء يجب أن تتخطى مرحلة إصدار أوامر أو تعليمات حتى ولو كانت فى صالح الأبناء وأن نلجأ إلى أساليب التعاون والإقناع والتفاهم والابتعاد عن اللوم على الأخطاء والتشجيع على الإصلاح بالإضافة إلى إعطائهم الاختيارات والبدائل ثم التوجيه نحو تحمل مسئولية القرارات والأفعال مع الحرص على استمرار التواصل معهم والتفاهم والدعم والعمل على ايجاد حلول لمشكلاتهم وتشجيعهم على اللجوء إلينا فى أى وقت دون خوف أو تردد.
مما لاشك فيه أن مناخ التربية التى نشأ عليه الآباء والآمهات من عشرات السنين يختلف عما نحن فيه الآن حيث تزيد المغريات وأعداد الأصدقاء ومنهم الصالح وأيضاً منهم الطالح وكذلك انتشار المخدرات وسهولة الحصول عليها حتى فى المدارس والجامعات كل هذا يستلزم أن يكون للأسرة دور أساسى فى تنشئة أبنائهم وتنمية قدراتهم على التمييز بين الطيب الغث والسمين والاقتراب من حياتهم الشخصية بقدر الإمكان دون تدخل مباشر والعمل على ابعاد أصدقاء السوء من حياة أبنائهم بالاقناع والتحاور والتشاور.
والأمر فى هذا المجال لا يقتصر على المسلمين فى مصر فقط بل إنه يمتد أيضاً لأشقائنا المسيحيين وشركائنا فى الوطن حيث يؤكد قداسة البابا تاوضروس أن الأخلاق هى مجموعة القيم والمبادئ والصفات التى تحكم حياة الإنسان وتقاس عليه أعماله إذا كانت صالحة أو فاسدة.. والأخلاق تتأثر بالدين والثقافة والمجتمع وبالتالى فإن ثقافة الغرب ليست بالضرورة تتماشى مع ثقافة الشرق وما هو متعارف عليه فى مجتمع معين قد يكون مرفوضاً فى مجتمع آخر ولكن الدين وحده لن يساهم فى خلق التزام أخلاقى ما لم تسانده الأسرة على ذلك فمن يريد أن يصبح أولاده صادقين وصالحين عليه أن يقدم هو نفسه القدوة لهم فلا يكذب ولا يسىء للآخرين.
إن الأخلاق هى أساس تقدم الشعوب وقوة الأمم وسر تقدمها وبقائها.
وكل عام وأنتم بخير.