الأصل فى التشريعات منذ أن وطأت أقدام الإنسان على ظهر المعمورة هو تنظيم حياة البشر.. وتحقيق الاستقرار والحياة الهادئة لبنى الإنسان.. حتى عندما جاء الإسلام وغلظ بعض العقوبات مثل قطع يد السارق ورجم الزانى والزانية والقصاص فى القتل.. كان الهدف منع الجريمة فعلى مدار عقود عديدة وقرون كثيرة لم تقطع يد سارق ولم ترجم زانية أو زانِ.. وإنما تحقق الهدف وهو منع الجريمة بسبب تغليظ العقوبة.. وتنفيذها دون ثغرات أو محسوبيات.. وكانت عبارة الهادى البشير والسراج المنير وخاتم المرسلين «لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها».. حاسمة وترسى مبدأ العدالة والمساواة والحزم والحسم فى تنفيذ العقوبات.
حتى بعد الحرب العالمية الثانية.. ومقتل أكثر من 30 مليوناً جراء استخدام النووى والذري.. وكل أنواع الأسلحة.. واستعراض القوة دون هوادة أو إنسانية فى إبادة البشر.. رأى حكماء البشرية ضرورة سن تشريعات تحول دون تكرار جرائم الإبادة واستخدام أمريكا النووى ضد مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين.
وتم انشاء مجلس الأمن الدولى ومنظمة الأمم المتحدة لتكون هناك مظلة حاكمة ومنظمة للدول وحماية بنى البشر.. ووضع ضوابط جديدة للحد من استخدام القوة والجبروت.. وارساء دعائم حقوق الإنسان.. وظهرت العديد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.. واستبشر كثيرون خيراً بكل هذه الإجراءات الكفيلة بحماية بنى البشر من بعضهم.. وسارت الأمور على ما يرام.. ووضعت الدول النامية وغير القوية فى بطنها «بطيخة صيفي».. فهناك منظمات بأسماء رنانة ودساتير قوية تقول إننا لسنا فى عصر الغاب.. وأن الضعيف لديها قوى حتى تأخذ له الحق وأن القوى لديها ضعيف فلا يجور ولا يعتدي.. حتى كشفت أمريكا عن النظام العالمى الجديد.. وبوادر الهيمنة الاقتصادية أولاً.. عن طريق «الجات».. التى جعلت العالم سوقاً مفتوحة لبضاعة الدول الكبري.. واختفت الاقتصادات البازغة فى عالم يفتقد المنافسة.. بين دول صناعية كبري.. ودول «كى جى ون» صناعة.. تروج بضاعتها فى أسواقها.. وفوجئت بأن أسواقها مفتوحة لأخرى متطورة وأقل ثمناً.. ولم تستطع أى دولة رفض «الجات» لأن ذلك يعنى أنها تعيش فى عزلة على غيرها.. ولم يكثف النظام العالمى الجديد بالهيمنة الاقتصادية.. وإنما ظهرت الهيمنة الأمريكية العسكرية أيضاً حتى لو كان هناك رفض أممى لذلك.. لم تعر أى منظمة اهتماماً.. ودمرت العراق وسيطرت على نفطها وثرواتها بتقارير وهمية وأكاذيب روج لها الإعلام الأمريكى جيداً حتى صدقها كثيرون.. ولم يحرك أحد ساكناً ازاء اعترافات جنرالات البنتاجون أنفسهم بكذب المعلومات وزيف التقارير التى روجت لامتلاك العراق أسلحة دمار شامل!!
>>>
واستمرت أوراق التوت تتساقط واحدة تلو الأخرى عن هذا النظام العالمى الجديد الذى لا يعرف دساتير أممية ولا منظمات حقوقية.. حتى سقطت آخر أوراق التوت عن الإدارة الأمريكية بدعم حليفها الكيان الصهيونى فى حرب إبادة الشعب الفلسطينى والمحاولات المستمرة لتهجيره من أرضه فى غطرسة صهيوأمريكية غير مسبوقة.. بل سقطت كل منظمات حقوق الإنسان تلك الفزاعة التى كانت تحاصر دوماً دول الشرق الأوسط بمزاعم وشعارات جوفاء عن حقوق الإنسان.. والادعاء بعدم الالتزام ببنود الوثائق الحقوقية الدولية.. بل سقطت شجرة التوت من جذورها فى حرب الابادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى على مرأى ومسمع العالم.
>> وعندما عاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.. عاد بالعالم إلى عصر ما قبل التشريع.. عصر الغاب.. البقاء فيه للأقوي.. ولا مكان فيه لضعيف.. أطلق تصريحات كطلقات الرصاص ودانات المدافع على العالم بأسره.. من فرض رسوم جمركية على العالم بأسره إلى ممارسة الابتزاز العلنى على العديد من الدول حتى تلك التى فتحت أراضيها للقواعد العسكرية الأمريكية، ومحاولاته المستمرة للهيمنة على كل السبل التى تمكنه من السيطرة على العالم بأسره.. اقتصادياً.. وعسكرياً.. ومطامعه المكشوفة فى السيطرة على الشرق الأوسط بقواعده وأراضيه وكل مزاياه.. مستغلاً قدراته العسكرية.. والاقتصادية.. وعدم قدرة أى من دول العالم التصدى لتصريحاته وشطحاته الترامبية.. إلا ردود عن استحياء من جانب الصين وروسيا وكل له مآرب ومصالح مع الولايات المتحدة.
>>والسؤال الذى يطرق الرأس بعنف.. أين الصين.. وأين روسيا.. وأين الاتحاد الأوروبى من الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم وسعيها الحثيث للسيطرة على كل سبل ومقدرات الشرق الأوسط.. ولماذا لا تستغل الصين وروسيا.. عداء الشعوب والدول لكل ما هو أمريكي.. لتسحب البساط ويكون لها تواجد اقتصادى وعسكرى يعيد ميزان القوى العالمى الذى مال بقوة تجاه واشنطن.