من المؤكد أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يكن يتوقع ردود الأفعال المصرية والأردنية ثم العربية والدولية تجاه ما أعلنه عن ضرورة ترحيل الشعب الفلسطينى من قطاع غزة الى مصر والأردن أو حتى الى أى دولة أخرى سواء كانت عربية أو غير عربية….بل إنه تناسى حق الشعب الفلسطينى فى أرضه ووطنه وتاريخه وأحلامه وآلامه وآماله فى أن يكون له وطن ودولة مثل كل شعوب العالم.
كانت مصر هى الدولة الأولى فى المنطقة التى تصدت لهذه الأفكار التى تطيح بالقضية الفلسطينية وتنسفها إلى الأبد حيث أكدت إنها سوف تتصدى لأى مقترح يهدف الى تهجير الفلسطينين الى مصر وأن تهجيرهم فى المطلق من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة ويقوض معاهدة السلام مع إسرائيل… وهنا نشير الى أنه كانت هناك اقتراحات مماثلة نتذكرها جميعاً من إدارة بايدن وبعض الدول الأوروبية فى وقت مبكر من أحداث 7 أكتوبر 2023 ونتذكر جميعاً كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما قال إنه إذا كان هناك إتجاه دولى لتحريك الشعب الفلسطينى من غزة إلى سيناء فليكن هذا التحريك إلى صحراء النقب لحين إعادة إعمار غزة وعودة سكانها إليها عقب ذلك.
لا أتخيل إطلاقاً أن يتم تهجير 2 مليون فلسطينى قسراً من أراضيهم على الرغم من كل ما قامت به آلة الحرب الإسرائيلية من أعمال تدمير واعتداءات على المساكن والمستشفيات والبنية التحتية فالأرض بالنسبة للشعب الفلسطينى هى الحياة وهى المستقبل مهما يتعرض له من انكسار واحتلال فمازال الأمل قائمًا وموجودًا.
لقد أعاد الموقف المصرى الرافض لتهجير الشعب الفلسطينى أو أن يكون لاجئاً فى أى مكان فى العالم الأمل لهذا الشعب الصامد فى استعادة حقوقه المشروعة وأن يكون له دولة يعيش فيها بسلام وأمان على الرغم مما تعرضت له غزة من دمار شامل جاء على الأخضر واليابس حيث استغلت إسرائيل عملية طوفان الأقصى لتمرير هذا المخطط الخبيث القديم الجديد عبر إستراتيجية الجحيم وسياسة الأرض المحروقة وتحويل غزة إلى مكان يستحيل العيش فيه عبر الحصار الكامل والدمار الشامل ومنع مقومات الحياة عن الشعب الفلسطينى واستخدام سلاح التجويع لكسر صمود هذا الشعب وإجبارهم على ترك أرضه ….إلا أن مصر واجهت هذا المخطط بكل قوة وصلابة ووضعت الخطوط الحمراء واللاءات الحاسمة وهو ما شجع العديد من الدول العربية أن يكون لها مواقف مماثلة وإن اختلفت من دولة إلى أخرى إلا أن مواقف مصر و الأردن والسعودية هى الأقوى حتى الآن خاصة بعدما حاولت إسرائيل توريط السعودية فى هذا المخطط بشكل دعاها إلى إصدار العديد من التصريحات والبيانات التى تندد بفكرة التهجير وتعارض بشدة إخراج الشعب الفلسطينى من أراضيه.
لم تتوقف أحلام إسرائيل منذ نكبة 1948 فى تنفيذ فكرة أن أراضيها تمتد من النيل إلى الفرات وأنها فى جميع محاولات تحقيق هذه الفكرة كانت تواجه فشلاً محكماً عند الإقتراب من تنفيذها …بل إن وجود إسرائيل ذاتها فى أعقاب انتصار أكتوبر 1973 كان على المحك لولا التدخل الأمريكى لإنقاذها فى أعقاب نجاح القوات المسلحة المصرية فى عبور قناة السويس واستعادة الأرض المصرية…واليوم نحن أمام مقترح خيالى جديد وهو تهجير الفلسطينين من أراضيهم وقد نجحت إسرائيل فى التأثير على الرئيس الأمريكى ترامب وجعلته يتبنى هذه الفكرة ويتفنن فى كيفية تنفيذها وتبرير هذا التوجه بشكل غير مقبول أو معقول …هل من الممكن إنه فى يوم وليلة لا نجد دولة فلسطين على الخريطة؟ …هل من الممكن ألا نجد يوماً ما شعب كامل من الوجود؟….كيف يمكن أن تقبل أى دولة لها ضمير فى العالم أن يحدث ذلك….أن أى دولة توافق على ترحيل الفلسطينين وقبولهم على أراضيها ستظل فى نظر كل فلسطينى هى الدولة التى أضاعت القضية الفلسطينية وطمست هويتها….إسن الحديث عن تهجير الشعب الفلسطينى فى أى دولة عربية أعتبره خيانة عظمى مهما كانت الضغوط التى تمارس على تلك الدولة….وهنا يجب أن أشيد بموقف العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى الذى أكد على موقف بلاده الثابت من رفض تهجير الفلسطينين كما أكد على ضرورة العمل على إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها وانه فى إنتظار الخطة المصرية حول كيفية التعامل مع الوضع فى غزة دون تهجير أهلها وكان هذا على الملاء وأمام الرئيس الأمريكى بل و أمام العالم أجمع رغم وضع الأردن المرتبط بالدعم الأمريكى فى معظم مناحى الحياة هناك…كما جاء إلغاء الرئيس عبدالفتاح السيسى زيارته المرتقبة الى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ذلك الموقف الأمريكى المتعنت تجاه القضية الفلسطينية وما تشكله فكرة التهجير القسرى للشعب الفلسطينيى من تهديدات للأمن القومى المصرى والعربى ولا شك أن الموقف المصرى هنا قد يضعها فى خانة التحدى مع أمريكا وفى مواجهة التهديدات الأمريكية ومع ذلك فإن هذا الموقف يؤكد ذلك الدعم غير المحدود من مصر إلى فلسطين وشعبها ويضحد أى افتراءات تنال من قوة وأصالة مصر وقائدها تجاه جميع القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.