هل يوجد بالفعل حكومة خفية أوسرية تحكم العالم؟!.. سؤال «قديم جديد» يعيد طرح نفسه بقوة هذه الأيام.. فالعالم الآن من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله يشهد واحدة من أخطر مراحل إعادة رسم وتشكيل خرائط النفوذ ومعادلات القوة.. مرحلة تتكشف فيها حقائق وأهداف وسياسات تفوق الخيال فى توحشها وبربريتها واستخفافها بحياة وأرواح البشر.. إنه تجرد مرعب من أدنى معانى الانسانية!!.. أسأل ثانية هل هناك بالفعل حكومة خفية تدير شئون العالم وتحرك مراكز القوة فيه لخدمة أهداف بعينها؟!!
.إن ماجرى مؤخرا فيما يتعلق بمشروع تهجير الفلسطينيين .. وإخلاء غزة.. وما اتصل بذلك من فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية .. وموافقة الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بكميات وأنواع خطيرة من الأسلحة من بينها «أم القنابل».. كل هذه الأحداث المذهلة وغيرها من إجراءات وقرارات أمريكية وإسرائيلية تستبيح كل شىء .. هذه الأحداث جعلتنى أعود لأفتش وأبحث من جديد عن «حكومة العالم الخفية».. أفتش عن ذلك فيما ذكرته بعض الكتب والكتابات والمعلومات .. أفتش فيما تناولته وسائل إعلام عربية وعالمية.. أفتش وأنا أثناء عملية التفتيش والبحث هذه كانت حركتى واقعة بين «حدين».. أولهما ماتضمنه كتاب «حكومة العالم الخفية» والذى ألفه الروسى شيريب سبير يدوفيتش وتحدث فيه عن مؤامرات وأخطار الصهيونية العالمية.. وثانى هذين الحدين هو ما أشار إليه المفكر والمؤرخ عبد الوهاب المسيرى فى كتابه «اليد الخفية» والذى بعث عبره برسالة مفادها ضرورة قراءة الأحداث بواقعية وعدم التهويل والتضخيم فى قدرة الصهيونية وكأنها قوة خارقة على وجه الأرض .. لأن هذه الصورة المبالغ فيها تستغلها الصهيونية «كأداة من أدوات الترهيب» فى تحقيق أهدافها!
يمكن للمرء أن يكتشف أو يستشعر الكثير .. إذا توقف قليلا عند الوقائع أو القرارات المفاجئة أو المفصلية والتى نراها تتدفق الآن على مسرح الأحداث .. وقائع وقرارات تتوقف عليها مصائر شعوب وأمم .. هنا يجد المرء نفسه أمام «السؤال الأعمق».. من هو الفاعل الحقيقى الذى يقف وراء هذه الأحداث؟!.. من ومتى وكيف وأين ؟!!.. متى كانت بداية الفكرة؟ .. ثم من الذى أعد وجهز كل«مايلزم»؟.. هل هذا الشخص الذى يظهر أمام «كاميرات التصوير» وهو يعلن عن اتخاذ القرار أو أن يوقع أو «يختم»عليه.. هل هذا الشخص هو مصدر القرار.. أم أنه فقط «الواجهة» وهناك من يحرك خلف الستار؟!!.. حكومة العالم الخفية حقيقة أم خيال؟!.. هذا ما سنحاول التفتيش فيه اليوم إن شاء الله سبحانه وتعالي.
المعلومات المتداولة وثائقيا وتاريخيا وإعلاميا والتى إطلعت عليها خلال «عملية التفتيش والبحث» تقول إن مصطلح «الحكومة الخفية» كان أول من استخدمه الرئيس الأمريكى الأسبق تيودور روزفلت «1858-1919» وذلك عندما حذر من سيطرة «المال» على «السياسة» فى الولايات المتحدة .. وأنه بعد ذلك بسنوات قليلة «عشرينيات القرن الماضي» ظهر كتاب للمؤلف الروسى شيريب سبير يدوفيتش يحمل عنوان «حكومة العالم الخفية» والذى تحدث فيه عن خطر الصهيونية العالمية.. ومع مرور الزمن وفقا لما جاء فى المعلومات المتداولة والمعلنة صار مصطلح «حكومة العالم الخفية» يمضى ويشق طريقه بشكل أكثر قوة حتى وصل إلى درجة «الرسوخ».. حيث أصبح ذكر هذا المصطلح يدل ويستدعى فى الأذهان صورة قيام بعض الأشخاص بالتحكم فى العالم «سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإعلاميا» «من داخل الغرف المظلمة».
فى عام «2016» نشرت صحيفة «إكسبريس» البريطانية تقريرا مطولا قالت فيه إن هناك جمعيات سرية فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يعود تاريخها إلى مئات السنين.. هذه الجمعيات تحكم العالم وتحرك الدول الكبرى نحو سياسات «معينة» تخدم الأهداف «الخفية»..وتناولت الصحيفة البريطانية «بالأسماء» خمس جمعيات سرية وأشهر وأبرز أعضائها قالت الصحيفة إن هذه الجمعيات الخمس هى الأخطر «على مستوى العالم» .. الجمعية التى احتلت المرتبة الأولى فى الخطورة «وفقا لتقرير إكسبريس» جمعية تشكلت فى عام «1832» فى إحدى الجامعات الأمريكية بمبادرة من أشهر أساتذتها وكان من أبرز أعضائها رئيس دولة كبرى تولى الرئاسة فى تلك الدولة خلال الفترة من عام «1908» إلى عام «1919».. يقول تقرير «إكسبريس» إن هذه الجمعية وجه إليها البعض إتهامات بأنها مسئولة عن صناعة القنبلة النووية وإلقائها على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية .. كما تضمنت الاتهامات أن هذه الجمعية كانت وراء اغتيال الرئيس الأمريكى الأسبق جون كيندي.. أما الجمعية الثانية فى قائمة أخطر الجمعيات السرية التى تدير العالم «وفق ماذكرت الصحيفة البريطانية» هى جمعية تأسست فى عام «1776» بإحدى الدول الأوروبية بهدف خلق مجتمعات علمانية فى أوروبا ومقاومة التمدد الدينى آنذاك.. هذه الجمعية اتسعت عضويتها وتضم حاليا العشرات من السياسيين العالميين ونجوم الفن والمجتمع .. وتواجه هذه الجمعية إتهامات بأنها تسللت إلى صناعات الاعلام والفن والموسيقى لاستخدامها فى غسل أدمغة الجماهير وأنها تقف وراء العديد من الأحداث الدموية التى وقعت فى مناطق مختلفة من العالم.
أما الجمعية السرية التى احتلت المرتبة الثالثة من حيث الخطورة فى تقرير «إكسبريس» البريطانية فهى جمعية أوروبية أيضا تشكلت فى عام «1717» وتضم فى عضويتها سياسيين بارزين فى أوروبا وأمريكا وكذلك مشاهير فى عالم الفن والموسيقي.. والجمعية الرابعة تشكلت فى عام «1872» بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة.. والخامسة تشكلت فى أوروبا عام «1954».. ووفقا لما جاء فى تقرير الصحيفة البريطانية فإن هذه الجمعية «التى احتلت المرتبة الخامسة» تضم أكثر من مائة وخمسين شخصا من كبار السياسيين ورجال المال والاقتصاد فى أوروبا وأمريكا.. كما أن البعض يرى أن هذه الجمعية هى التى تقف وراء ما يسمى بـ«النظام العالمى الجديد » !!
إذا.. هناك معطيات كثيرة تشير بشكل أو بآخر إلى تحركات مريبة أوغامضة تدور «فى السر».. هناك أسباب وجيهة عديدة تجعلها موضع تساؤل حول دورها فيما يجرى من أحداث «مدمرة» حول العالم.. وإذا تجاوزنا «مرحلة الشك» عند النظر لأى «إجابة» عن سؤال «هل توجد بالفعل حكومة خفية تحكم العالم؟!».. ورحنا نرصد ونتتبع شواهد الأحداث.. فإن هناك حقيقة لايمكن الاختلاف عليها ألا وهى أن هناك «آثاراً أو بصمات» تدل على تلك التحركات المريبة التى تدور «فى الخفاء».. فعندما يجتمع عدد كبير من رموز السياسة والمال والفن من أوروبا وأمريكا بشكل دورى كل عام ولايصدر عن هذا الاجتماع أو اللقاء أى نبأ أو خبر يوضح ماذا دار فى الاجتماع وما صدر عنه من قرارات .. ليس ذلك فحسب بل إن المنظمين للاجتماع يمنعون أى وسيلة إعلام مسموعة أو مرئية أو مقروءة من الاقتراب من مكان الاجتماع.. ماذا يعنى هذا؟!.. عندما يتبين أن الذين يتولون المناصب القيادية فى الدول الكبرى فى الغالب هم من أعضاء هذه الجمعيات السرية.. ماذا يعنى هذا؟!.. عندما يتم العثور على أدلة تربط بين أعضاء بارزين فى هذه الجمعيات وأحداث عاصفة فى أماكن شتى من العالم.. ماذا يعنى هذا؟!
نعم.. كلما يعرف المرء أكثر عن الجمعيات السرية العالمية.. كلما كانت نظرته أو قراءته للأحداث أعمق وأدق وأشمل.. لذلك فإنه من المهم فى هذه «المرحلة الفارقة» التى تمر بها المنطقة العربية بأكملها عند قراءة وتحليل الأحداث أن نضع أمام أعيننا كل ما قيل عن حكومة العالم الخفية والجمعيات السرية التى يدير أعضاؤها «سياسات العالم» لصالح «أهداف محددة».. نفعل ذلك ونحن ملتزمون بواقعية الدكتور عبد الوهاب المسيرى فى كتابه «اليد الخفية» وعدم المبالغة والتهويل فى قدرة «الصهيونية».. دون أن نقلل أونستهين أو نستبعد ما ذكره شيريب سبير يدوفيتش فى كتاب «حكومة العالم الخفية» والذى يتحدث فيه عن مؤامرات الصهيونية العالمية حول العالم.. من أبرز وأهم الأحداث التى وقعت خلال الأيام القليلة الماضية ويجب قراءتها إستناذاً لهذه المعطيات.. بالطبع بالاضافة إلى مشروع تهجير الفلسطينيين وإخلاء غزة.. من أبرز هذه الأحداث وأخطرها هو ما أعلنه سفير «واشنطن» الجديد لدى إسرائيل «مايك هاكابي» من أن الولايات المتحدة ستحدث تغييرات فى الشرق الأوسط «ذات أبعاد توراتية»!!.. فهذا الاعلان أو التصريح الأمريكى «الرسمي» يفتح الباب على مصراعيه أمام كافة الاحتمالات التى لاتتوقف عند غزة والضفة الغربية بل تتجاوز الحدود التقليدية حاملة أحلام «إسرائيل الكبري» وإعادة رسم خريطة المنطقة إلى «أبعد مدى ممكن»!!
من ببن هذه الأحداث أيضا .. ما كشفت عنه صحيفة «بيلد» الألمانية من أن المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أعلن نية «واشنطن» تسليم أحد أقوى أنظمة الأسلحة غير النووية إلى إسرائيل المعروفة باسم «أم القنابل» والتى تدمر المخابئ العميقة تحت الأرض.. كذلك الاعلان عبر وسائل الاعلام الأمريكية عن قيام الولايات المتحدة بإقرار صفقة أسلحة لاسرائيل تشمل «ثمانى عشرة» ألف قنبلة للطائرات يبدأ تسليمها خلال العام الجارى وثلاثة آلاف صاروخ فى عام «2028».. تدخل فى هذه الأحداث أيضا قرارات معاقبة المحكمة الجنائية الدولية وجنوب أفريقيا.. والحرب المنظمة على الفلسطينيين فى الضفة الغربية.. عندما نطالع أو نقرأ أو نشاهد مثل هذه الأحداث يجب علينا أن تكون نظرتنا نحوها بعمق وروية وربط الأحداث ببعضها .. يجب علينا أن نتوقف ونتأمل ونسأل كيف تدافعت هذه القرارات والاجراءات حزمة أو «دفعة» واحدة؟!.. من الذى خطط؟! .. من الذى أشار؟! .. من الذى صاغ؟!.. من الذى أقنع؟!.. وكيف أقنع؟! من الذى يحرك الأحداث بهذه الكثافة والغزارة.. وماذايريد؟!!.. «حكومة العالم الخفية» حتى وإن لم تكن حقيقة واقعة بهذا المعنى الذى «يتصوره» أو «يتخيله»كثيرون هنا وهناك.. إلا أنها يمكن أن تكون تعبيرا أو رمزا يشير إلى أحداث وإجراءات وقرارات على أرض الواقع تؤكد الحقيقة المترسخة عن الاستعمار الغربى «القديم والحديث».. إنه الاستعمار فى أبشع صوره.. مهما تغير الزمان.. وتبدل المكان.. واختلفت الوجوه والأسماء!!
«حكومة العالم الخفية» .. سواء كانت حقيقة أم خيالاً.. يجب علينا كعرب ألا نسمح لها بأن توهن من عزائمنا .علينا أن ندرك وأن نؤمن أن هذه الحكومة الخفية، سواء كانت حقيقة أم خيالاً.. مها بلغت من جبروت فإنها لن تستطيع أن تغير نواميس التاريخ التى أرساها الله سبحانه وتعالى فى ملكه .. وانطلاقا من هذه الحقيقة لايمكن لأى متابع أن يغفل هذه «الصورة العربية» التى فاجأت الكثير من قوى الاستعمار الحديث والقديم.. هذه الصورة التى انتفض فيها العرب رسميا وشعبا معا ضد مخطط القضاء على فلسطين.. من الخليج إلى المحيط الكل معاضد تهجير الفلسطينيين.. إنها صورة للوحدة والتوحد ربما لم يظهر العرب عليها منذ سنوات طويلة.. هذه «الصورة العربية» المنتفضة دفاعا عن فلسطين والأمة.. جعلتنى أعود إلى قصيدة «دعاء الشرق» للشاعر العملاق محمود حسن إسماعيل والتى قال فيها:
ياسماء الشرق طوفى بالضياء وإنشرى شمسك فى كل سماء.. ذكريه واذكرى أيامه بهدى الحق ونور الأنبياء.. كانت الدنيا ظلاما حوله وهو يهدى بخطاه الحائرينا.. ارضه لم تعرف القيد ولا خفضت إلا لبارئها الجبينا.. كيف يمشى فى ثراها غاصب يملأ الأفق جراحا وأنينا.. كيف من جناتها يجنى المنى ونُرى فى ظلها كالغرباء.. أيها السائل عن راياتنا لم تزل خفاقة فى الشهب.. تشعل الماضى وتسقى ناره عزة الشرق وبأس العرب.. ونواصل إن شاء الله.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.