ماذا بعد الحرب الإيرانية– الإسرائيلية؟!.. «الجواب الشافي» لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي.. لكن كل المؤشرات والإشارات الواردة حتى الآن من ساحات المعارك وميادين القتال «المباشرة وغير المباشرة» تؤكد أن الشرق الأوسط بعد«هذه الحرب» لن يكون هو الشرق الأوسط الذى كان قبلها.. «شرق أوسط مختلف» ذلك الذى سيظهر بعد أن تضع الحرب أوزارها.. مختلف عن الشرق الأوسط «الذى كان».. مختلف مهما كانت «نتيجة» الحرب.. لصالح إيران أم إسرائيل.. الحرب الإيرانية– الإسرائيلية وما كشفت وأسفرت عنه فى «أيامها وساعاتها الأولي» يمكن القول إنها «بالفعل» ودون النظر إلى النتيجة العسكرية النهائية.. هى «محطة فارقة» فى تاريخ المنطقة.. إنها حرب تؤسس لحقبة شرق أوسطية مغايرة تماما للحقبة التى عاشها الإقليم منذ قيام إسرائيل فى عام «1948».. ونتيجة المعركة هنا ستبرز أهميتها فقط فى أنها هى التى ستحدد «الوجهة» التى سيتجه إليها الشرق الأوسط.. الجديد.. المختلف.. المغاير!!
اليوم.. إن شاء الله سبحانه وتعالى .. ولأسباب كثيرة .. أتناول «الحرب الإيرانية- الإسرائيلية» من «زاوية خاصة».. هى زاوية «الأمن القومى العربى» الذى هو جزء لا يتجزأ من «الأمن القومى المصري».. فإسرائيل هى الخطر الأكبر الذى يهدد الأمن القومى العربي.. فى قلبه وعصبه وأطرافه.. إسرائيل هى التى تحتل فلسطين .. هى التى تبيد الشعب و«تمحو» القضية.. إسرائيل هى الخطر العاجل والآجل.. أنطلق من الحرب الإيرانية- الإسرائيلية لأنظر إلى «حقيقة- إسرائيل» .. غرور القوة.. ووهم الأمن.. ويقين الضعف.. وأستطيع أن أقول إن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية كشفت بالفعل عن العديد من ملامح «حقيقة إسرائيل».. مرة تكشف.. وثانية تثبت.. ومرة ثالثة تؤكد.. إن إسرائيل هى «حصيلة جمع» ثلاثة عناصر .. غرور القوة .. ووهم الأمن.. ويقين الضعف!!
أول ما يمكن التطرق إليه عند النظر إلى «حقيقة إسرائيل» من خلال الحرب الإيرانية- الإسرائيلية.. هو قدرة إسرائيل على «الهجوم».. إمكانيات .. وتكنولوجيا.. ودعم وتنسيق وتعاون خارجى غير محدود.. وهذه القدرة ترتبط ارتباطا وثيقا بوجود «الحرب» خارج «حدود إسرائيل».. وقد رأينا ذلك فى الضربة الأولى التى وجهتها «تل أبيب» إلى «طهران» وتم خلالها تحقيق مجموعة من «الأهداف الكبري».
ومن الثابت تاريخيا.. أن «العقيدة العسكرية» الإسرائيلية تدرك جيدا أهمية بل وضرورة أن تعمل إسرائيل جاهدة دائما فى أن تجعل جميع معاركها «خارج الحدود» ولاتنتظر حتى تأتى إليها المعركة «داخل الحدود».. لأنه إذا حدث ذلك تضاءلت وربما تلاشت احتمالات النصر.. ولتلك العقيدة العسكرية الإسرائيلية أسبابها ومبرراتها المتعددة والتى يمكن أن يكون قد دعمها فى أعماق الشعور الإسرائيلى تلك النتيجة التى أسفرت عنها «الجولة الأولي» فى أول حرب خاضتها «دولة الاحتلال» فى تاريخها وهى حرب «1948» ضد العرب.. فهذه الحرب جرت فوق الأراضى العربية التى احتلتها إسرائيل.. وكانت الجيوش العربية قد حققت نتائج كبيرة فى بداية الحرب وكادت «الجولة الأولي» من تلك الحرب تلحق بإسرائيل هزيمة قاسية.. لكن سرعان ما تآمر الغرب لفرض «الهدنة» والتى بعدها «تبدلت الأحوال» لصالح إسرائيل.. وكانت النكبة العربية الكبري.. ربما تكون نتيجة الجولة- الأولى من «حرب 1948» قد دعمت الشعور الإسرائيلى العميق بضرورة أن يتم حسم المعارك والحروب قبل أن تقترب من «الحدود».
من خلال الحرب الإيرانية- الإسرائيلية أيضا.. يتضح كذلك ويتأكد أن قدرة إسرائيل على الهجوم .. يقابلها إخفاقات كبرى ترقى فى بعض الأحيان إلى درجة العجز عن القدرة على «الدفاع».. فأى معركة أو هجوم «داخل الحدود» يكشف سريعا مدى ضعف ووهن البناء أو التكوين الحربى الإسرائيلى .. «العمق الإستراتيجي.. طبيعة الشخصية الإسرائيلية.. وأسباب أخرى عديدة».. وقد ظهر ذلك جليا فى تعامل «إسرائيل جميعها» مع الهجمات الصاروخية الإيرانية .. وقبلها مع هجوم المقاومة الفلسطينية فى «السابع من أكتوبر».. إن أى هجوم يتمكن من الوصول إلى داخل إسرائيل يكشف سريعا مدى العجز عن تحقيق «الدفاع» حتى وإن كانت تمتلك أقوى وأحدث أسلحة الهجوم !!
«حقيقة إسرائيل».. عندما ننظر إليها عبر الحرب الإيرانية- الإسرائيلية.. يجب أن نتوقف طويلا أمام مجموعة من الأحداث والمشاهد والصور التى «حفرتها» هذه الحرب فى «ذاكرة التاريخ».. إنها أحداث ومشاهد وصور تكشف الفارق أو «بعد المسافة» بين مدى قدرة إسرائيل على «الهجوم» ومدى استطاعتها القيام بمهام «الدفاع» .. أول ما يجب التوقف عنده هو حجم الدمار الذى لحق بإسرائيل من جراء الهجوم الصاروخى الإيرانى وعدم قدرة إسرائيل بما تمتلكة من أسلحة متقدمة ودعم أمريكى وأوروبي.. عدم قدرتها على صد الهجوم وتوفير الأمن لسكانها الذين دخلوا جميعا إلى الملاجيء .. لقد عجزت إسرائيل عن الدفاع .. وضربت الصواريخ الإيرانية العاصمة السياسية»تل أبيب».. والعاصمة الإقتصادية»حيفا».. والعاصمة الأمنية والعسكرية «معهد وايزمان».. تكفى الإشارة هنا إلى أن وزارة الدفاع تم ضربها بالصواريخ الإيرانية «مرتين».. وحيفا يمكن القول إنها خرجت عن نطاق الخدمة لحين إشعار آخر.. أما معهد وايزمان والذى يعد مصدر أبحاث الحروب الإلكترونية والكيماوية والنووية .. فتعد عملية قصفه بالصواريخ ضربة فى العمق.. واغتيال «عقل إسرائيل العسكري» !! .. هذا بالإضافة إلى نسف الصواريخ الإيرانية مقرات جهاز المخابرات الخارجية «الموساد» وجهاز المخابرات العسكرية «أمان».
بجب التوقف أيضا أمام تهاوى منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية أمام الصواريخ الإيرانية.. فقد كشفت الضربات الإيرانية المؤثرة عن فشل أربع منظومات إسرائيلية فى صد الصواريخ المهاجمة.. لقد فشلت القبة الحديدية «فخر الصناعة الإسرائيلية».. وفشلت منظومة مقلاع داود.. وفشلت منظومة ثاد»الأمريكية».. وفشلت أيضا منظومة حيتس.. جميع منظومات الدفاع الجوى الإسرائيلية الأربعة فشلت ووصلت صواريخ إيران إلى «قلب تل أبيب» ليعم الخراب والدمار وتنتشر على «مواقع التواصل الإجتماعي» تساؤلات الإسرائيليين من هول الصدمة : «تل أبيب هذه أم غزة؟!.. هل عادت إسرائيل إلى العصر الحجري».. هذا كان شعور الإسرائيليين من هول ما فعلته الصواريخ الإيرانية !!
صورة أخرى فى «مسرح الحدث» تثبت وتؤكد غرور القوة ووهم الأمن ويقين الضعف.. هذه الصورة كانت فى مطار «بن جوريون».. فقد تم وفى عملية «مفاجئة» إخلاء مطار بن جوريون من جميع الطائرات وفى المقدمة منها طائرة «جناح صهيون» وهى الطائرة المخصصة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو .. تم إخلاء المطار من هذه الطائرات وإرسالها إلى كل من قبرص واليونان والولايات المتحدة الأمريكية.. البعض رأى أن السبب فى هذا «الإخلاء» خوف إسرائيل من هجوم صاروخى على المطار يدمر جميع هذه الطائرات.. فى حين رأى أحد المحللين السياسيين أن هناك سببا آخر يضاف إلى هذا السبب وهو منع الإسرائيليين من مغادرة البلاد وهجرتهم إلى الخارج وربما عدم العودة مرة أخرى إلى إسرائيل.. وقد دعم هذا الرأى ما ذكرته فيما بعد صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية من أن هناك إسرائيليين وأجانب بدأوا يغادرون إسرائيل باستخدام «يخوت» من موانئ حيفا وهيرتسليا وعسقلان!!
هناك شيء مهم يجب أخذه فى الاعتبار جيدا عند تقدير حجم الخسائر العسكرية والاقتصادية التى لحقت بإسرائيل خلال الأيام الأولى من حربها مع إيران.. فهذه الخسائر التى تم الإعلان عن حجمها والكشف عنها «بالصوت والصورة» .. وعلى الرغم من ضخامتها .. إلا أنه يجب الانتباه إلى أن «كل ذلك» تم الإعلان عنه بموافقة «الرقابة العسكرية الإسرائيلية» والتى منعت بشكل تام قيام أى مواطن أو صحفى أو إعلامى تمرير أو نشر أى صورة أو معلومة عن الأهداف التى أصابتها الصواريخ الإيرانية داخل إسرائيل وذلك حتى لا تستفيد إيران من عمليات «النشر والتداول».. هذا من جانب.. ومن جانب آخر المحافظة على الروح المعنوية للداخل الإسرائيلي.. وهنا يمكن طرح السؤال : إذا كان هذا الحجم من الخسائر تم الإعلان عنه استنادا وتماشيا مع «المواصفات» التى وضعتها الرقابة العسكرية .. فكيف هو الحجم الحقيقى للدمار الذى أحدثته صواريخ إيران فى إسرائيل ؟!
«الرسالة الأبرز» التى بعثت بها الأيام الأولى للحرب الإيرانية- الإسرائيلية.. هى أن «إسرائيل» يعتريها «خلل طبيعي» لاتستطيع أن تبرأ منه.. فهى قد تكون «دولة هجوم» ناجحة.. لكنها فى نفس الوقت هى «عاجزة» عن القيام بأدنى مهام «الدفاع».. من هنا تأتى حاجتها الدائمة إلى الراعى والضامن والداعم .. القادم عبر «الأبيض المتوسط» أو من وراء «الأطلنطي» !!
تبقى حقيقة مؤكدة تكشف عنها وتثبتها جميع «الحروب» التى تدخلها إسرائيل.. وهى أن «تل أبيب» لا تستطيع حسم أى معركة بمفردها.. لابد من مساعدة ودعم خارجي.. «أوروبى وأمريكي» فى أغلب الأحيان.. لذلك فإن أى «نصر» يمكن أن تحققه إسرائيل فى أى حرب هو فى الحقيقة نصر «مستعار».. لأن «دولة الاحتلال» ولأسباب عديدة عاجزة تماماً عن إحداث أو تحقيق أى حسم فى أى معركة «بمفردها».. مهما كانت قدرتها الفائقة على القيام بأى هجوم !! .. ونواصل بإذن الله.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.