بعد عودة إسرائيل إلى قصف غزة فى جوله جديدة من القتال، فى اتجاه تحقيق أهداف الحرب التى فشلت فى تحقيقها خلال 15 شهرا، ومع تزايد حاله الاهتزاز والارتباك الداخلى بعد عملية طوفان الأقصى داخل المجتمع الإسرائيلي، ما أدى الى اتخاذ قرارات حكومية، وسلسلة «الاستقالات والإقالات»، التى طالت عددا من المسئولين الإسرائيليين، على الصعيدين «السياسى والعسكري»، ما أفقد الثقة الرسمية فى القيادات العسكرية، وكان آخر الاقالات، إبعاد رئيس جهاز الامن الداخلى «الشاباك»، والمستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، وتزامنا مع عودة بن غفير إلى الحكومة لتمرير الميزانية واستئناف القتال ضد أبرياء غزة، ومن ثم «تغيير جغرافيا» مخيمات الضفة الغربية، من أجل إنهاء ملف «حق العودة»، وكل هذا أشعل الشارع بمظاهرات أسر الأسرى فى البداية، ووجهت معظم المظاهرات اتهامات مباشرة إلى رئيس الحكومة بسعيه إلى إشعال حرب أهلية داخل إسرائيل التى تعانى من حاله عدم استقرار «سياسى ومجتمعي»، وعدم اليقين فى المستقبل ضمت المظاهرات قيادات المعارضة وجنرالات سابقين وأساتذة جامعات ومثقفين وطلاب مدارس وكانت الدعوات للعصيان المدنى والاضراب العام احتجاجا على سياسات نتنياهو وفريقه اليمينى وضرورة الانقلاب عليه، ما يعنى استمرار عدم استقرار الأوضاع.
«الجمهورية الأسبوعي»، سجلت آراء خبراء السياسة والشئون الإسرائيلية حول تأثير مظاهرات الشارع على مستقبل نتنياهو، ومدى إمكانية نجاح نتنياهو فى استمرار عمليات هروبه بضربه «الضفة والقطاع ولبنان»، أم ينجح الشارع فى ازاحته؟»..
وقال، الدكتور مختار غباشى نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية، إنه لابد من التأكيد على أن عملية طوفان الاقصى تسببت فى هزة للمجتمع الإسرائيلى أفقدته توازنه، فالمجتمع مأزوم داخليا ومرتبكا فى تعاطيه مع السابع من أكتوبر وتداعياته، وهناك كتلة ترى الحرب حتى النهاية ويقودها يمين متطرف عنصرى وكتلة أخرى ترى أن ما تم تحقيقه كاف ولابد من الدخول لمرحلة التفاوض وقف القتال وتبادل الاسرى والتوصل إلى تسوية نهائية، وكتلة أخرى ما زالت حائرة بين الاثنتين، وهنا يبرز الصراع بين اليمين المتطرف المتحكم فى أداء الحكومة الذى أصبح رئيسها أسيرا لتوجهات هذا اليمين.
وأضاف، أن تجدد اطلاق النار على غزة، له العديد من الأسباب، يمكن أن يكون هروبا من استحقاقات المرحلة الثانية، أو تحقيق انتصارات ما، وتصفية عدد من قيادات المقاومة، أو تليين مواقف المقاومة من أجل الرضوخ والضغط عليها لتنفيذ ما يطلب منها، خاصة انا ويتكوف «المبعوث الامريكي»، مثل ما كان طرفا مؤثرا فى الهدنة الاولى ووقف القتال، هو مؤثر أيضا وجزء من الأزمة الراهنة، لأنه قام بمجاراة إسرائيل فى مطالبها واستخفافها بالاستحقاقات المرحلة الثانية، ومطالبتها بتمديد المرحله الأولي.
وأكد «دكتور غباشي»، على أن الداخل الإسرائيلى «مازوم»، وزادت أزمته باقالة رئيس الشباك والمستشارة القانونية للحكومة وتجاهل حكم المحكمة الإسرائيلية بابطال قرار رئيس الحكومة باقالة رنين بار رئيس الشباك ومقابل أزمهة الكيان الصهيوني، ان هناك ازمه فى النظم الاقليمية التى لم تجرؤ حتى الآن بالتلويح بالدبلوماسية الخشنة فى التعامل مع العديد من الملفات وأهمها ملف القضية الفلسطينية وما يحدث فى غزة والضفة الغربية التى يتم إعاده هيكلة مخيماتها الهجوم على الضفة يعنى إنهاء حق العودة والقضاء على القرار الاممى 194 وإنهاء ما تبقى من معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وقال، إن المظاهرات تأثيرها لن يكون إلا فى حاله التأثير على كافة مؤسسات الدولة وهذا ما دعى له لابيد رئيس المعارضة البرلمانية بالنزول فى مظاهرات مليونية للشارع.
صراع حركات
وحذر «غباشي»، من عملية إنهاء أو إضعاف محيط المقاومة والصراع مع الكيان الإسرائيلى فهذا الإنهاء ليس مرتبطا بصراع دول لأنه صراع حركات خارج إطار الدول والتى أصبحت تشكل ضغطا على الكيان الإسرائيلى والمصالح الأمريكية، ويجب ان نضع فى الاعتبار أن القضية الفلسطينية أصبحت غير قابلة للحل دبلوماسيا، لكن القدرة على الصمود والتصدى لهذا التغول الإسرائيلى هو الطريق لاستمرار إحياء القضية الفلسطينية.
وأشار، إلى الدور الاصيل الذى تقوم به مصر ولم تتخل عنه، رفض مصر المطلق لعمليه التهجير والذى يأتى مخالفا لما تريده أمريكا وإسرائيل، كما أن هناك صبر إستراتيجى للاستفزازات الإسرائيلية، ومصر تلتزم بضبط النفس إلى أقصى الحدود ولا ولم تلوح بتعليق الاتفاقية أو إلغاءها أو أى شيء أخر.
ويري، أن المستقبل ضبابى ويحمل غموضا متناهيا لا يستطيع أحد إدراكه والحالة تخلق واقعا مميتا ولا يجب تصور اعادة رسم حدود دول وكل ما يحدث هو إعادة احتلال وسيطرة على أجزاء من دول، مثلما حدث فى سوريا ويحدث فى الضفة الغربية.
عدم استقرار
وقال، الدكتور اكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية فى جامعه القاهرة، أن المشهد فى إسرائيل به العديد من التجاذبات والصراعات الداخلية، فهناك صراع داخل الحكومة نفسها وصراعا بين أهالى الأسرى ورئيس الوزراء الإسرائيلى الذين يتهمونه بتعطيل عملية تبادل الرهائن، إضافة الى العديد من الاستقالات والاقالات لمسئولين كبار فى الحكومة الإسرائيلية، وهذا يعكس ويعبر عن نوع من عدم الاستقرار السياسى سواء على المستوى المؤسسى أو على المستوى الشعبي.
وأشار، إلى أن هذه الحالة، نتيجة الاتهامات الموجهة من أهالى الأسرى إلى رئيس الوزراء بتأخير عملية عودتهم، وفى نفس الوقت نجد رئيس الوزراء يستأنف الحرب على غزة من أجل تحرير الرهائن، وهنا التناقض واضح، وهناك نوع من الصراع، حيث اليمين المتشدد الذى يمارس ضغوطا على الحكومة لأنهم رفضوا الاتفاق الذى تم تنفيذه يوم 19 يناير، والجولة الثانية من الحرب على غزة، هى لإرضاء هؤلاء المتطرفين المتشددين من «أفراد وأحزاب نظرا لان الحكومة ائتلافية، وهناك خشية دائمة من انسحاب أحد هذه الأحزاب، ما يؤدى إلى انهيارها، ولهذا ينفذ نتنياهو مطالبهم، خشية أن يفقد منصبه.
اهتزاز حكومى
ويرى «الدكتور بدر الدين»، أن هناك ضغوطا ومتغيرات أهمها أهالى الأسرى والأطراف المتشددة داخل الحكومة ومحاولة ارضائها وهناك درجه من الضغط الدولى وهو ما شاهدناه فى تصريحات كبار المسئولين فى الاتحاد الأوروبى وكل هذا يمثل مؤشرات على الاهتزاز داخل إسرائيل «حكومة ومجتمعا»، ولذلك حاول نتنياهو الابقاء على الحكومة بالعودة للقتال وفتح العديد من الجبهات مثل ما حدث فى جبهه لبنان والتى بدا تنشيطها والاعتداء على سوريا والاستيلاء على أجزاء من أراضيها والضربات الموجهة إلى اليمن، بهدف تخفيف الصراعات الداخلية، ومن أجل مد عمر الحكومة والهروب من الملاحقات القضائية، لان سقوط الحكومة يعنى التعرض للمحاكمة وتطبيق العقوبات على مختلف القضايا ومنها قضايا فساد، فكل ما يحدث ما هو إلا مناورات من أجل البقاء لاطول فترة ممكنة.
وقال : «لا يجب التعويل على المظاهرات لأن حالة غضب الشارع لن تجعله يترك السلطة غدا، لأن الأكثر تأثيرا هو موقف الأحزاب اليمينية المتشددة، والتى تسانده، أما عن تلويح اتحاد النقابات العمالية فتأثيره سيكون كبيرا من حيث الحشد، وبالتالى إذا استطاع الانضمام للمظاهرات ونجح فى الحشد ضد رئيس الوزراء وعلى الارجح قد يسارع فى إسقاط الحكومة واقالة رئيس الوزراء، ولكن لا يبقى الامر مرتبطا بمدى حجم الحشد الذى سينظمه الهيستدروت «اتحاد النقابات العمالية» والمتحكم فى 30 ٪ من الاقتصاد الإسرائيلى والأيدى العاملة، واستخدم الهستدروت هذا السلاح فى مرات سابقه وشاهدنا حشودا فى مظاهرات غير مسبوقة أو مالوفة.
وأكد، الدكتور بدر الدين انه منذ عام 1948 وحتى الآن دائما ما تستخدم إسرائيل التلويح بالاخطار الخارجية على وجود دولة الكيان حتى يؤدى إلى التماسك الداخلى فى دولة الكيان الإسرائيلي، وهنا نسمع هيرتزوج رئيس الدوله مخاطبا الشعب من أجل الوحدة وعدم التظاهر والالتفاف حول الأهداف الكبرى للحرب، والوضع الآن بدأ يشهد تغيرات التلويح باخطار خارجية، ولكن لم يعد لها نفس التأثير خصوصا فى ظل الاعتداءات الإسرائيلية على جبهات مختلفة، ويبدو أن الحرب مستمرة ولكن إلى متى لا أحد يعلم.
اليأس الداخلى
الدكتور أحمد فؤاد أستاذ اللغة العبرية والدراسات الإسرائيلية وعضو المجلس المصرى للعلاقات الخارجية: «يرى أن نتنياهو دخل إلى مرحلة خطيرة بالنسبة له وبالنسبة لأسرته أيضا، بعد أن أقال رئيس الاستخبارات الداخلية وحاول إقالة المستشار القضائى للحكومة، وأصبحت أمامه جبهة عريضة من المتظاهرين يخرجون بأعداد أكبر بعد فترة من اليأس، بل وصل الأمر إلى التهديد باعتصامات.
وأضاف : «أرى أن مستجد تلويح الهيستدروت بالانضمام إلى المحتجين سيكون علامة فارقة، ويضاف له أيضا مؤسسات تعليمية كبرى مؤيدة للمحتجين، وجنرالات خرجوا إلى الشوارع لينضموا للمحتجين، مع ملاحظة أن الشرطة الإسرائيلية «شرطة الاحتلال، شرطة بن جفير»، و»يمكن وصفها بهذا الوصف»، تعاملت معهم بعنف شديد، لكن هذا لم يقمع المظاهرات، وخطورة الخطوة التى أقدم عليها الهيستدروت بشأن الانضمام للاحتجاجات تتمثل فى كونها ستصيب الاقتصاد الإسرائيلى بالشلل فى مرحلة يترنح فيها بسبب معاناة قطاعات «الزراعة، السياحة، الطيران»، وبعد صواريخ من اليمن وغزة ولبنان، وبسبب نزوح الخبرات فى مجال الطب وفى مجال الهاى تيك وكل هذا يؤثر بالسلب ويزيد من الضغط الذى يمارسه الهيستدروت على نتنياهو حكومته.
إلهاء المجتمع
وقال «الدكتور فؤاد»، أن كل محاولات نتنياهو تهدف إلى إلهاء المجتمع الإسرائيلى عن فشله فى صد 7 أكتوبر وما تلاه.. أى فشله فى تحقيق أهداف الحرب، وعدم تمكنه من إخراج 59 من المحتجزين الأسرة لفترة تتجاوز الـ«530» يوما من قطاع غزة، سواء بالتفاوض والالتزام بوقف إطلاق النار، أو من خلال الضغط العسكري.
وأضاف: «أرى أن الدعم الأمريكى مطلق لإسرائيل، لكن تبدو أن هناك مصفوفات داخل الإدارة الأمريكية ترى بأن نتنياهو أصبح يمثل عبئًا، وبالتالى يمكن التضحية به كورقة محروقة، وبالتالى فإن مستقبل نتنياهو خلفه، والعدل التنازلى لسقوط هذه الحكومة، بل ومحاكمته قد بدأ بالفعل، خاصة مع حالة الاحتقان غير المسبوقة، وهناك أعداد من قوات الاحتياط ترفض الانضمام للخدمة، واذا أجريت الانتخابات، لن ينجح نتنياهو هو وائتلافه، وأعتقد بأن مستقبل نتنياهو أصبح حاليا على المحك، وأنه فى القريب العاجل سنجده خارج الصورة، وسيكون ملاحقا بشكل أكبر من الجنائية الدولية، بل ومن محاكمات داخلية.