يبدو أن الإجازات ونظامها بدأ يتحول إلى كابوس.. أصبحت هماً بالليل والنهار.. معضلة للفرد والجماعة، خاصة بعد أن بدأت تلقى بظلال غير مريحة على الحركة الاقتصادية عامة.. وبدأت الجهات تطرح المزيد من الأسئلة.. هل الاجازة نعمة أم نقمة؟!.. هل مصر تحديداً فى حاجة إلي هذا الكم الرهيب من الاجازات طوال العام على فترات متقطعة، بعد أن وصل اجمالى الراحات للموظف فى السنة إلى أكثر من 122 يوم، أى حوالى ثلث العام أى سنة كاملة كل ثلاث سنوات؟!
السؤال الأكثر أهمية ويحتاج إلى إجابة جادة علمية هو هل يفرح المصريون بالاجازة أم انها تحولت إلى وجع إضافى لأسباب كثيرة لم تعد خافية علي أحد؟!
لا يخفى على أحد ان هناك دراسات كثيرة ومقترحات حول الاجازات وتأثيراتها علي الأصعدة كافة ومقترحات اكثر حول الترشيد وإعادة النظر فى كثير منها.. ولكنها لم تلق آذاناً صاغية أو على الأقل الاهتمام الواجب لتحقيق مصلحة الفرد والوطن أيضا.
وهنا تجدر الإشارة إلى الجهد الدءوب للنائبة آمال عبدالحميد عضو لجنة الخطة والموازنة وإصرارها على مدى سنوات تحت القبة لعرض القضية بجوانبها المختلفة.. وطالبت بإعادة النظر فى الكثير من الإجازات والعطلات الرسمية فى مصر.. موضحة أن الإجازات المرتبطة بالأعياد والمناسبات الوطنية تصل إلى 18 يوماً حيث إن إجمالى الإجازات فى العام الواحد تصل إلى 122 يوماً من أصل 365 يوماً فى السنة، بما يعادل ثلث السنة!
لعل أهم ما أشارت إليه النائبة، الدراسة التى أعدتها وكشفت عن الأثر السلبى الواقع على إنتاجية المنشآت والمصانع بسبب كثرة الإجازات الرسمية فى مصر، لاسيما المرتبطة بعقود والتزامات تصديرية.. كما تناولت فيها تداعيات الإجازات الرسمية الطويلة فى مصر على قطاعات البنوك والبورصة والاستثمار!!
أخشى أن يصاب العامل والموظف المصرى بداء إدمان الاجازات ويضاعف من رصيد «التنبلة» المتزايدة ويفقد قدرته الإبداعية ومهارته التى اشتهر بها عالمياً فى سوق العمل.
إذا كانت فلسفة منح إجازة هى تعزيز الفرحة وتأكيدها بالمناسبة، فلا ينبغى أن يغيب عن الاذهان ان حالة الافراط فى الاجازات بمناسبة ودون، قد أدى إلى نتائج عكسية أو سلبية وأصيب الناس بإحباط الاجازة واكتئاب ما بعد الاجازة، فضلا عن الانتكاسة النفسية والمعنوية لعدم القدرة على الاستمتاع بالاجازة، نظراً لضيق ذات اليد أو صعوبة وضع مكان للاجازة فى سلم الأولويات أو جدول الضروريات، رغم الحاجة إليها أحيانا للتنفيس والترويح عن النفس على مستوى الفرد والاسرة.
نحن بحاجة إلى إعادة النظر فى نظام الاجازات، دون الإخلال بالنظرة والتقدير والتعظيم للأعياد القومية والدينية ودراسة النظم المعمول بها فى الدول المتقدمة كما فى كوريا واليابان وفرنسا وألمانيا، التى لا تتجاوز فيها أيام العطلات العشرة أيام أو الأسبوعين تقريبا والإفادة منها ولإعادة الاحياء وبث روح جديدة قادرة على صناعة المستقبل المشرق، ويؤكد قيمة وقدرة المصرى على العمل الخلاق والبناء دون كلل أو ملل.. والله المستعان.