بعد سبع قرون مازلنا نستخدم الصور فى التعبير عن الأشياء
تعد الكتابة من أهم مظاهر الرقى الاجتماعي، والمعتقد أنها نشأت فى دلتا مصر.. وربما كانت ذا صلة ببعض العلامات التى كان يستخدمها الإنسان فى العصور الحجرية ويمثل عدد كبير من هذه العلامات نباتات وحيوانات من الدلتا، كانت شائعة الاستعمال قبل الأسرة الأولى والظاهر أن الكشف عن التقويم قد حدث فى نفس الوقت الذى عرفت فيه الكتابة وربما كان ذلك فى الوقت نفسه هو الذى تمت فيه الوحدة الأولي، تحت زعامة أهل الشمال.
ونحن نشاهد على الآنية الفخارية لعصر ما قبل الأسرات علامات كثيرة تدل على اسماء مدونة لملوك حكموا قبل مينا، ثم ان أدوات الكتابة قد عثر عليها كاملة فى عهد تلك الأسرة، وكان على الكاتب أن يقوم بإعداد السجلات وحفظها، ومعنى ذلك أن نشأتها لابد أن ترجع إلى ما قبل الأسرة الأولي، وإذن فالقول بأن الكتابة وصلت مصر من الخارج هو قول غير مقبول ولا يمكن الأخذ به بعد الأدلة الأثرية التى اكتشفت فى مصر، عثر فى المعادى على أساسات لمساكن مستطيلة الشكل هى فى الواقع صورة طبق الأصل للحروف الهيروغليفية التى استخدمها الفراعنة للدلالة على الدار أو ضمن الدار.
وفى المرحلة الأخيرة لعصر ما قبل الأسرات عثر على صور ورسوم متنوعة تمثل أشياء معينة، وهى صور ادخلت فيما بعد، ضمن الحروف الهيروغليفية للدلالة. على نفس المعانى ولعل أهمها الخط المتعرج الذى يمثل صفحة الماء والعصا المقوسة عند طرفها الأعلى والتى أصبحت فى العصر التاريخى رموزا للسلطان.
لعلنا وبعد سبعة قرون مازلنا نستخدم الصور فى التعبير عن الأشياء وبنفس الرموز التى استعملها الفراعنة وخاصة الرموز الهيروغليفية وهى كلمة يونانية تعني- الصور المقدسة- فنرمز للنهر برسم موجة، والجبل بثلاث مثلثات، والعدالة بالميزان، ومازلنا نستعمل الرمز الفرعونى الأفعى إشارة إلى الطب والصيدلة.
كان قدماء المصريين كشعوب كثيرة أخرى تابعين لمجموعات اللغات السامية الحامية.. واعتبروا حروف الحركة ذات أهمية ثانوية فلم يمثلوا فى كتابتهم غير الحروف الصحيحة، وتتألف الكلمات فى لغتهم من علامات ذات حرف واحد أو حرفين أو ثلاثة أحرف صحيحة متتالية.. وظلت الرموز تدل على الحروف الصحيحة. اما من حرف أو حرفين أو ثلاثة حروف.
وبهذه الطريقة كان لديهم 24 علامة يمثل كل منها حرفا صحيحا واحدا، فأمكن بهذه الحروف الهجائية اجتناب استعمال مئات الرموز، ولم تنم علامات الهجاء تلك ولم تستعمل إلا فى النصوص القديمة التى كتبت فيها الكلمات بحسب الصوت أو فى كتابة الأسماء الملكية مثل بطليموس وكليوباترا وقيصر وغيرهم.
لقد ابتكر المصريون كتابة قادرة على تمثيل جميع الكلمات الموجودة فى لغتهم بواسطة الرموز الممثلة للأشياء الواقعية.. وأكثر من 150 رمزا صوتيا تكتب فرادى أو فى مجموعات، وتسمح بالتعبير عن جميع التراكيب الصوتية، ورغم هذا فقد تناول الكتابة التنقيح والتحسين كما يلي:
1- استعملت القيمة الصوتية للرموز لتساعد على قراءة رموز الصور ولتدل بطريقة ما على القراءة الحقيقية للرمز التصويرى.. وهكذا تكتب المسلة وتنطق «تخن» أى ت + خ + ن + الصورة وقد استعملوا الطريقتين لتكمل كل منهما الأخري: العلامات التصويرية والعلامات الصوتية.
2- استعملت المكملات الصوتية أى اضافة علامة صوتية أو أكثر إلى رمز ثنائى أو ثلاثى الحروف لتسهيل القراءة فتسهل قراءة الرمز.
3- كان من الضرورى أيضا اجتناب أى التباس فيما إذا كان الرمز تصويريا أو صوتياً.
4- وكما فى جميع اللغات توجد كلمات متجانسة الأصوات أو على الأقل كلمات تشترك فى نفس الحروف الصحيحة، وبما أنه لا توجد حروف علة فإن كثيرا من الكلمات المختلفة النطق تكتب على نفس الصورة، فابتكرت المخصصات للتمييز بينها، والمخصص رمز يضاف إلى الرموز الصوتية كى يدل على نوع الكلمة التى يمثلها، ولا ينطق المخصص وإنما تكون له قيمة بصرية فحسب.. إذن فلابد من استعمال عدد كبير من المخصصات.. وكان هناك 100 مخصص على الأقل.