كثيرا ما يبدو أن كوكب الأرض قد أصبح أصعب من أن يعيش فوقه البشر التغيرات المناخية.. تهدد وجود حياة ومستقبل الإنسان علي الأرض والحروب والصراعات الدموية بين مختلف القوي والدول.. يمكن أن تنتهي بالحرب النووية.. التي يمكن أن تؤدي إلي فناء البشرية والحضارة الإنسانية.. والقضاء علي كل مظاهر الحياة علي الأرض.
المشهد العالمي لا يبعث علي التفاؤل فقد هدد الرئيس الروسي بوتين من جديد باللجوء للسلاح النووي من أجل حسم الصراع علي أوكرانيا لصالح روسيا.. بعد السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ أمريكية وبريطانية وفرنسية.
رصدت الصحف الفرنسية أن بوتين هدد باللجوء للسلاح النووي في الحرب والصراع علي أوكرانيا مائة مرة حتي الآن.. وهدد بوتين مؤخرا بضرب وتدمير مراكز صنع القرار في أوكرانيا بأحدث الصواريخ الروسية من طراز أورشينك القادرة علي تجاوز كل أنظمة وأسلحة الدفاع الجوي الأمريكية في أوكرانيا.
وذكرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية أن بوتين بذلك يكون هو الزعيم الوحيد في العالم الذي أكد أن السلاح النووي قابل للاستخدام في الحرب.
وقالت إن بوتين فتح بذلك الأبواب واسعة أمام مخاطر انتشار الأسلحة النووية في أوروبا والشرق الأوسط.. وآسيا وأشارت لوجود شكوك قوية في واشنطن وأوروبا حول وجود تعاون نووي خطير بين إيران وروسيا.. وأن موسكو تحصل علي صواريخ باليستية من إيران مقابل تزويد إيران بالتكنولوجيا اللازمة لصنع السلاح النووي.
حلم ترامب
يتزامن ذلك مع الاتفاق علي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان وذكرت الصحف الإسرائيلية والأمريكية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وافق علي هذا الاتفاق بهدف تحقيق حلم الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب في أن يكون الشرق الأوسط أكثر هدوءا مع وصول ترامب للبيت الأبيض في العشرين من يناير 2025.
وذكرت نيويورك تايمز الأمريكية أن موازين القوي في الشرق الأوسط قد تغيرت بعد الضربات التي قامت بها إسرائيل ضد حزب الله اللبناني.. وضد إيران.
وخلال أيام معدودة حدثت المفاجأة الكبري وظهرت نتائج وتداعيات الضربات الإسرائيلية لإيران وحزب الله وانفجر الموقف السياسي والعسكري في سوريا من جديد واستيقظ الشعب السوري علي كارثة الهجوم الشامل الذي قامت به الجماعات الإرهابية المعارضة علي مناطق شمال وشرق سوريا وتمكنت بالفعل هذه الميليشيات الإرهابية من الاستيلاء علي بعض المناطق في مدينة حلب السورية قبل أن يستعيد الجيش السوري المساحات وهذا هو السقوط الثاني لمدينة حلب.. العاصمة الاقتصادية لسوريا في أيدي الجماعات الإرهابية التكفيرية التابعة لتنظيم القاعدة وجماعة الإخوان.
الحلم الضائع
وهكذا تبدد حلم دونالد ترامب في أن يصل إلي المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض وسط أجواء هادئة في الشرق الأوسط والأيام القادمة سوف تكون حاسمة بكل تأكيد في قضية تجدد الصراع علي سوريا.. وتجدد الحرب الإرهابية علي سوريا ووجودها ووجود شعبها.. وعلي سيادة وأرض سوريا.. أي وحدة أراضي سوريا.
ماذا يمكن أن يحدث في دمشق؟! ومن الذي أعطي الضوء الأخضر لعصابات الإرهاب للقيام بهذا الهجوم الإرهابي المفاجئ علي سوريا.. ولماذا في هذا التوقيت وترددت أنباء وشائعات غير مؤكدة عن وجود محاولة انقلاب ضد الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق وتردد أيضا أنه قام بزيارة سرية لموسكو لطلب الدعم العسكري الروسي لمواجهة الحرب الإرهابية الجديدة علي سوريا.
قبل ساعات
وقبل ساعات من إعلان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إن الرئيس السوري بشار الأسد يلعب بالنار.
بما يؤكد وجود أصابع إسرائيلية.. وراء هذا الهجوم الإرهابي المفاجئ.. وذكرت تقارير عالمية أنه يوجد ضباط كبار من دول أوروبا الشرقية قاموا بتدريب هذه العناصر الإرهابية في سوريا علي استخلام الطائرات المسيرة بدون طيار وعلي الأسلحة الحديثة والصواريخ المضادة للدبابات والمدرعات.
التوافق في الأهداف
وقد أعلنت أمريكا رسميا أنها ليس لها يد في هذا الهجوم الإرهابي الجديد الذي تعرضت له سوريا.. بهدف تقسيم سوريا وتهديد وحدة أراضيها وسيادتها.
هناك أطراف عالمية.. وإقليمية توافقت فيما بينها علي بدء هذا الهجوم الإرهابي الجديد علي سوريا وهذا التوافق قد يحدث بدون اتفاق مباشر لكن يبدو أن الهجوم قد استهدف سوريا في لحظة ضعف تاريخية تعرض لها حلفاء سوريا الكبار في روسيا وإيران وحزب الله.
هناك أطراف كبري إقليمية وعالمية لها مصالح في سوريا والهدف هو إسقاط النظام السوري وتمزيق سوريا وتهديد وحدة أراضيها.. لكن لمصلحة من يمكن أن تتولي جماعة إخوانية إرهابية مثل هيئة تحرير الشام الاستيلاء علي مدينة حلب ومساحات واسعة من شمال سوريا.. وإقامة مستوطنة ودويلة إرهابية فيها؟!
إسرائيل تريد الاستيلاء علي المزيد من الأراضي السورية. بعد إعلان سيادتها علي مرتفعات الجولان.. إسرائيل تريد أيضا الاستيلاء علي وادي الزيداني حتي جنوب دمشق وهناك امبراطورية إقليمية قديمة تريد العودة لأيام المجد القديم حين كانت دمشق جزءا من أراضيها.
في مهب الريح
هكذا أصبحت سوريا الآن في مهب الريح.. وضعف الدولة الوطنية في سوريا.. يثير أطماع القوي الإقليمية والعالمية في سوريا وأراضيها ويشجع علي العدوان.. الحقيقة أن سوريا تسبح الآن فوق مياه بحر الضياع الواسعة.. وقد لا تجد في إيران وروسيا ما يكفي لمساعدتها علي تحقيق النصر في هذه الحرب الإرهابية الدموية التي تتعرض لها أصابع المخابرات الأمريكية تبدو واضحة في هذه الحرب الإرهابية الجديدة التي تتعرض لها سوريا وحتي أصابع الموساد الإسرائيلي ليست بعيدة خصوصا حين قال نتنياهو إن بشار الأسد يلعب بالنار.
السقوط الثاني
هذا هو السقوط الثاني لمدينة حلب في أيدي الجماعات الإرهابية خلال أقل من عشر سنوات وهذا السقوط السريع لهذه المدينة التاريخية الكبيرة.. يعتبر نقطة تحول مركزية في قضية الصراع الإقليمي والعالمي علي سوريا.
لا يوجد معني لكل ذلك سوي أنها المؤامرة القديمة تبدأ من جديد لإسقاط نظم الحكم الوطنية في المشرق العربي خصوصا في العراق وسوريا والهدف قديم وواضح هو ألا يتكرر سيناريو التضامن القومي العربي من جديد كما حدث خلال حرب اكتوبر 1973 ولابد أن نتذكر دموع السيدة جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت حين قالت وهي تبكي للرئيس الأمريكي نيكسون.. إن ذلك يجب ألا يحدث مرة أخري، أي يجب ألا يتكرر اشتراك سوريا ومصر في أي حرب علي إسرائيل مرة أخري.. لأن إسرائيل كانت علي وشك الانهيار التام خلال الساعات الست الأولي من الحرب.
ما يحدث في سوريا حاليا هو المخطط الذي تحدث عنه الإسرائيليون قبل وقف إطلاق النار في لبنان.. حين أكد قادة إسرائيل أنه من الضروري إعادة رسم الخريطة الاستراتيجية في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل.. بقاؤها ووجودها في الشرق الأوسط.
وهناك من تتشابه وتتشابك مصالحهم مع مصالح إسرائيل وأمريكا بين القوي الإقليمية خصوصا في شمال سوريا وأحيانا يحدث هذا التشابه والتشابك في المصالح بالتخطيط الاستراتيجي وكثيرا ما يحدث بالأطماع التلقائية بوعي أو بدون وعي لكنه يحدث ويؤدي للدمار كما تشهد في سوريا حاليا صحف العالم.. تتحدث فعلا عن إعادة تشكيل البناء الاستراتيجي في الشرق الأوسط ويبدو أن هذه العملية القذرة تبدأ حاليا بهذه الحرب الإرهابية الدموية علي سوريا.
هجوم خاطف
تحرير مدينة حلب في 2016 كان هو الرمز الأكبر لاستعادة سوريا لقوتها بعد أن استعاد الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته علي 70 ٪ من أراضي سوريا واستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية الآن عادت حلب تواجه حرباً شرسة لتصبح هي النقطة المركزية في الحرب والصراع علي سوريا.
هذا الهجوم الإرهابي الخاطف علي مدينة حلب وعلي شمال سوريا يؤكد وجود تيارات جيوسياسية.. ومؤامرات إقليمية ودولية تستهدف سوريا.. الدولة الوطنية وسيادتها ووحدة أراضيها.
.. ويأتي ذلك بعد أن استنزفت الحرب في أوكرانيا الكثير من قدرات روسيا العسكرية.. وهي أكبر وأقوي حلفاء سوريا.
كما تعرضت إيران لعملية استنزاف طويلة خلال الصراع والحرب والمواجهة المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل ولم يعد حزب الله.. هو جماعات الميليشيات القوية التي يمكنها الوقوف إلي جانب سوريا.
لابد أن نتذكر هنا أن ما يسمي بهيئة تحرير الشام هي تنظيم إرهابي إخواني.. تابع لتنظيم القاعدة وهي تعمل في محافظة إدلب السورية التي تسيطر عليها الميليشيات الإرهابية وقد نفت تركيا رسميا أن يكون لها علاقة بما يحدث في سوريا وذكرت الصحف الأمريكية أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن اتصل بوزير الخارجية التركي حقان تيدان وطالبه بضرورة قيام تركيا بوقف هذا الهجوم الإرهابي علي سوريا.
العالم يتساءل الآن.. ماذا يحدث في سوريا؟! هل هذه عودة للحرب الإرهابية علي سوريا بكل ما كان فيها من إهدار للدماء ودمار واسع للمدن السورية أم هي معركة إرهابية عابرة؟! لا أحد يعرف لكن الأيام والأسابيع القادمة سوف تحمل إجابات عديدة علي هذه الأسئلة الصعبة أن انهيار الدولة الوطنية في سوريا يمكن أن يؤدي إلي فوضي شاملة.. وتمزيق سوريا ووحدة أراضيها.. والحقيقة أن الأيام القادمة يمكن أن تكون حاسمة بالنسبة للدولة الوطنية في سوريا والنظام بشار الأسد.. الإسرائيليون يقولون إن الأسد في النهاية هو الشيطان الذي نعرفه لكننا في الشرق الأوسط لابد أن تتوقع الأسوأ دائما.. علي الأقل ما دامت إسرائيل في المنطقة.