من ألاعيب الدولة العبرية الدائمة والتى تزايدت خلال الفترة الأخيرة، أنها تطرح خططها الخبيثة عن طريق إلقاء ما تريد أن تفعله وترمى به فى تسريبات إعلامية، يرددها العملاء، ثم يخرج أحد المتطرفين من المسؤولين وغيرهم ليثير القضية المستهدفة، ويتطور الأمر بتصعيد الكذبة وترديدها أكثر حتى يتم تصديقها، وبأساليب السحرة يجعلونها كأنها حقيقة، لدرجة يصعب نفيها أو تصحيحها على طريقة «اكذب واكذب حتى يصدقك الناس».
ومن هذا ما حدث خلال الأيام الماضية من شكوى جيش الاحتلال المجرم من أنه يقاتل على سبع جبهات، ولأنه كذاب أشر، لا نعرف أين هى تلك الجبهات، ويطمس حقيقة أنه جيش الاعتداء الذى يشن حرب إبادة فى غزة، ويعتدى على لبنان، واستولى على مساحات شاسعة من سوريا ويتوسع كل يوم منذ سقوط نظام الأسد، مستغلا الفوضى والتناحر بين أصحاب المصالح، وبالمزيد من الوقاحة، أعلن الجيش الإسرائيلى عن تنظيم رحلات سياحية للمدنيين فى المناطق السورية التى استولى عليها، وكى يبرر جرائمه الوحشية يبالغ فى الكذب ليقنع العالم بنفس الإدعاءات القديمة من المظلومية وأنه محاط بالأعداء الذين يريدون أن يلقوا بإسرائيل فى البحر، وتردد آلتهم الإعلامية المدعومة بأبواق الغرب تلك الأكاذيب.
وبنفس الاسلوب، أثار المخابيل الصهاينة زوبعة بحجة انتشار الجيش المصرى فى سيناء، ويتحدثون ببجاحة واستغباء، وينكرون علينا احتياطات حماية أرضنا، ويتجاهلون أنهم يبالغون فى استخدام الأسلحة من البنادق الآلية إلى القنابل النووية، ومع ذلك يصيبهم الرعب منا نحن المصرييين، لأننا على قلب رجل واحد، فكلنا جنود، ندافع عن الأرض والعرض بأرواحنا قبل أموالنا.
وها هو النتن ياهو يعيد إشعال الحرب على غزة بحجة تحرير الرهائن، وفى تناقض واضح يصرحون بأنهم لا يهتمون بهؤلاء الرهائن سواء عادوا أحياء أو جثثا أو حتى لو لم يعودوا من الأصل، ولا يقف جيش الاعتداء الإسرائيلى عند حدود الإبادة بالقطاع، فيرتكب جميع الموبقات ويتجاوز الخطوط الحمراء، فى ظل صمت رسمى عالمي، كأنه يوافق على ما يحدث، وأصوات شعبية تندد لكنها لا تملك غير الشعارات واللافتات التى لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا توقف المجازر، بل تجعل السفاح يتمادى فى سفك المزيد من الدماء.
ورغم الدعم الكبير الذى تلقته دولة الاحتلال من أمريكا فى عهد إدارة بايدن، جاء ترامب بافتكاسة تهجير سكان غزة بحجة إعادة إعمار القطاع، فكانت مثل الكنز والإنقاذ الذى هبط من السماء بين يدى النتن المجرم، فقام بقطع فترة الهدنة وأعاد الحرب بزعم أن حماس لم تنفذ الاتفاق ولم تلتزم به، فى مغالطة فجة، ومع وقوف مصر حائط صد منيعا أمام خطة التهجير، لجأت حكومة الاحتلال المغتصية إلى التوسع فى غزة وتقسيمها إلى ثلاث مناطق والتضييق على السكان بمنع الماء والغذاء والدواء والكهرباء، حتى يكونوا بين خيارى الموت أو الهجرة الجبرية.
هكذا هى أساليب الدولة العبرية الصهيونية، تدور بين الكذب والبهتان، والتزوير والتزييف، بين المغالطات والافتراءات، وتاريخها الأسود يشهد بذلك، وكل أيديهم ملطخة بالدماء، وما زال النتن ياهو يكرر ترهاته بالعمل على تغيير خريطة الشرق الأوسط، وهذا ليس له إلا معنى واحدا وهو التوسع الصهيونى فى الدول المجاورة ـ كما بدأ فى سوريا ـ واحتلال المزيد من الأرض، خاصة بعد أن استطاعت المخططات الغربية أن تقضى على معظم جيوش المنطقة أو تضعفها وهو الهدف الذى تعمل عليه واشنطن منذ سنوات لتكون الغلبة لجيش الاعتداء الإسرائيلى ويكون القوة الوحيدة فى المنطقة.
الوضع الآن فى غاية الخطورة، والخطر لا يستثنى أحدا، وعلى الجميع أن يدركوا أنهم ليسوا بعيدين عن مرمى الشرر الصهيونى مهما تباعدت المسافات الجغرافية، لذلك لا بديل عن وقوف كل الدول بقوة أمام مخططات الإبادة والتصفية والتوسع والطغيان الذى تباركه أمريكا وتدعمه وتنفق عليه مليارات الدولارات، وخاصة بعدما كانت المنطقة تقترب من الاستقرار جاء ترامب ليجعلها على قرن ثور هائج، بدعمه للمتطرفين المعتدين، مضيفا فصلا جديدا من مأساة الشعب الفلسطيني، يتجاوز نكبة 1948.