فى البداية أود أن أوجه تحية تقدير للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وذلك عندما ألقى حجراً كبيراً فى مياه راكدة منذ عدة سنوات تتعلق بعرض الردئ والغث من الدراما التى تعكس صورة سلبية عن المجتمع المصرى خاصة فى أعقاب أحداث يناير 2011 يستقبلها شبابنا الغض بالكثير من الاهتمام بل وتعكس له صورة لمستقبل مظلم ينتظرهم ولا يزرع داخلهم الأمل فى أنهم من الممكن أن يكونوا الضوء المضئ لمستقبل مشرق لهذا الوطن.
إن شكرى للسيد الرئيس ينبنى على أسس موضوعية أثارها فى لقاءين متتابعين خلال شهر رمضان حين أشار الى أن بعض المسلسلات تركز على أعمال البلطجة وكأنها هى النموذج المثالى للحياة فى مصر وكذلك أعمال تتعلق بحياة فئة محدودة جداً والتى تختلط بالأغانى الرخيصة والسوقية…. ومما زاد الطين بلة أن هذا العام تم عرض العديد من الاعمال الدرامية التى تتناول قضايا المخدرات بشكل أكثر إتساعاً عن الأعوام السابقة وكيفية تهريبها داخل بضائع وشحنات حديد أو أخشاب وكأنما يعلموننا كيف يمكننا أن نفعل ذلك دون أن تكشفنا الأجهزة الأمنية.
والغريب والطريف أن هناك العديد من المؤلفين والمخرجين بل والمنتجين الذين قاموا بإنتاج تلك الأعمال هم أنفسهم من تباروا فى دعم انتقاد السيد الرئيس وانتقدوا بعض الأعمال ووصفوها بأنها لا تمثل الشعب المصرى الذى يبلغ تعداده ما يقارب 120 مليون مواطن شريف إلا النادر منهم.
اننى لن أتناول تلك الأعمال التى عرضت خلال شهر رمضان المبارك من الناحية الفنية أو النقدية والتى بلغ عددها تقريباً 29 مسلسلاً تم عرضها على قنوات ومواقع مختلفة تناول منها عدد 19 عملاً قضايا الإنحلال الأخلاقى والفساد وتعاطى وتجارة المخدرات وحبوب الهلوسة والإدمان والبلطجة والإيحاءات الخادشة للحياء والألفاظ غير اللائقة واطفال الشوارع ….. فى حين أن هناك أعمالاً تناولت قضايا مجتمعية حقيقية موجودة فى مجتمعنا بل إنها تتزايد يوماً بعد يوم مثل عدم الاهتمام بمتابعة دور الأيتام وما يترتب عليه من خروج أعداد منهم وقد احترفوا أعمال السرقة والنصب … وكذلك قضايا المراهنات الإليكترونية التى أصبحت وباء سريع الانتشار بين أوساط فئة كبيرة من الطلبة والعمال بل والمثقفين كوسيلة لتحقيق مكسب سريع دون عناء فى حين أن الواقع يؤدى إلى خسائر فادحة يترتب عليها إنهيار عائلات بأكملها إما بإدمان تلك الألعاب التى قد تؤدى أحياناً الى القتل أو الخطف أو الطلاق… وايضاً كان هناك عمل فنى استثنائى يناقش التحرش بالأطفال الذى كاد يصبح ظاهرة تحاول العائلات أن تخفيها خوفاً من التشهير أو الفضيحة إلا أن المسلسل عرضها بكل هدوء وعقلانية وطالب بتشديد العقوبات على المتحرشين أو المتنمرين وأيضا تشجيع العائلات الإبلاغ الفورى عن أى واقعة يتعرض لها أبناؤهم أو بناتهم دون خجل أو خوف لأنهم بذلك يساعدون على القضاء على تلك الظاهرة قبل تفاقمها ونحن مجتمع متدين بطبيعته ولا نقبل على الإطلاق أن نرجع الى عصور قوم لوط والجاهلية الأولى…. أما عن أعمال البحث عن الآثار وتجارتها والمخدرات وتهريبها وكذلك البلطجة وانتشارها فحدث ولا حرج لدرجة أن هناك شركات أمن بعينها تقوم حالياً بالتعاقد مع الشباب والعاملين بمراكز الجيم وذوى المظهر والقوة الجسدية لتأجيرهم للقيام بأعمال العنف والبلطجة التى رأيناها فى معظم مسلسلات هذا العام.
إننى أترك هنا السادة المحللين والنقاد والفنيين وأساتذة الاجتماع لتناول تلك الأعمال بالنقد والتحليل والتوصية بالترشيد وهو ما أراه وأقرؤه الآن بالفعل خاصة بعد توجيهات السيد الرئيس.. ولكننى سوف أتحدث هنا عن العلاقة بين تلك الأعمال التى يطلق عليها أعمال فنية وبين الأمن وأتساءل هل هناك علاقة بينهما؟…. الإجابة بكل تأكيد نعم هناك علاقة طردية وثيقة بينهما… فكلما زادت الأفكار والحيل التى يبتكرها المؤلفون عن سبل البحث عن الآثار وتهريب المخدرات زادت نسبة حب الفضول للقيام بها…. وكلما انحدرت الأخلاق داخل العائلة المصرية بسبب الإدمان أو فساد الأخلاق زادت جرائم العنف والقتل.
وبغض النظر عن اللجان التى أعلن عن تشكيلها فى أعقاب توجيهات السيد الرئيس لإعادة النظر فى المحتوى الدرامى للأعمال المصرية والتى يتم عرض معظمها فى العديد من الدول العربية وبعيداً عن فكرة الإبداع وعدم التصدى للأفكار المتطورة من وجهة نظر العاملين فى هذا المجال…. ولأن الفن هو مرآة المجتمع الحقيقية وهو من العناصر المؤثرة وبحق على الأمن الاجتماعى والثقافى والأخلاقى فإننى أناشد القائمين على تلك الأعمال الفنية أن يضعوا سمعة ومصلحة الوطن صوب أعينهم وان يكونوا إحدى وسائل تربية النفس وتهذيبها وعرض الأعمال الاجتماعية الهادفة الى النهوض بالمجتمع وعرض صورة صادقة للنماذج الناجحة الموجودة بها وكذلك النهضة التى تشهدها البلاد حالياً والقضايا المهمة التى تحتاج إلى إيجاد حلول حقيقية لها بالفعل وإيجاد نصوص تمس وجدان المواطن المصرى وتزرع بداخله الأمل فى مستقبل واعد وتحجيم سلطة المنتجين الذين يحاولون تحقيق مكاسب على حساب التأثير على أخلاقيات وطموح الشباب.