لا وقت للبكاء على اللبن المسكوب، ولا وقت للتنظير أو التأطير، فطريق المستقبل ما زال طويلاً، وبه الكثير من العوائق والعقبات والصعوبات، التى تحتاج إلى فكر مختلف لن يقوى على حمله إلا رجال مختلفون.
ومصر الآن فى أمس الحاجة إلى نخبة جديدة شكلاً ومضموناً، هذه النخبة يجب أن تكون قادرة على صناعة مفردات الحلم القومى بمفردات عصرية نافذة إلى عقول وقلوب كل أطياف المجتمع، فالمجتمع الذى يفقد القدرة على الحلم يفقد فى اللحظة ذاتها القدرة على الحياة، ما أحوجنا إلى أناس لديهم القدرة على الحلم والخيال والسباحة بنا صوب المستقبل، مصر فى حاجة إلى قادة للفكر والرأى والفن والإبداع، هؤلاء عليهم مهمات جسام كصناعة الوعى الجمعى لأمة كانت حتى وقت قريب تقود المنطقة بقوتها الناعمة، فالنخبة هى التى تصنع القوة الناعمة، والأخيرة هى التى تعيد صناعة النخبة من جديد، وهكذا نخرج من إطار حالة الفقر النخبوي، ونقضى على ظاهرة النحر الممنهج لقوتنا الناعمة، الغريب أن النخبة المزيفة أو الكاذبة تمثل خصماً من رصيد المجتمع، فهى بمثابة جلطة فى شرايين الوطن، أنا لست مشغولاً فى هذه اللحظة بعرض واستعراض مظاهر ضعف وضياع وسطحية وضحالة النخبة الحالية، فهذا أمر يعرفه القاصى والداني، أنا فقط مشغول بنقطة البداية لصناعة وصوغ نخبة مصرية جديدة حقيقية غير مزيفة، وقادرة على صناعة الحلم القومي، فهل نحن قادرون؟ الحقيقة ليس لدينا اختيارات على الإطلاق، فالإجابة الوحيدة هنا هى «نعم» نحن قادرون، ودون مناورات فكرية أو نظريات عقيمة، ربما لا أكون مخطئاً حين أقول إننى أرمق بصيص أمل متعاظم فى ظهور بشاير هذه النخبة!
إن البداية كانت فى الاعتراف الجمعى بأننا بلا نخبة، وبأن قوتنا الناعمة تآكلت، وبأن أحلامنا على المحك، ثم ظهر فى الأفق صوت مدوٍ كان مصدره حلم رئاسى بمصر جديدة للمصريين، ثم صرخة فى البرية أن هلموا يا شباب مصر، فمصر تناديكم لصناعة حلمها التاريخي، بيد أنى لن أكون مبالغاً إذا قلت إن مؤتمرات الشباب كفكرة وتطبيق ومردود ودلالة كانت هى نقطة البداية أو صافرة المباراة، التى انطلقت، ولم ولن تتوقف، الشباب عليه أن يحلم ويقفز بأحلامه وطموحاته صوب آفاق المستقبل دون قيود أو سدود، كانت تلك المؤتمرات ومخرجاتها نقطة ضوء وسط نفق مظلم حالك الظلام، حالة حراك مجتمعى بين محتفٍ ومختفٍ ومؤيد ومعارض ولا يدرى هؤلاء جميعاً أنهم أسهموا، ربما بقصد أو غير قصد، فى خلق الحالة المطلوبة، كان المطلوب استفزاز القوى الكامنة بالقول والفعل والمشاركة وقد حدث.
والآن نحن أمام مرحلة مختلفة عنوانها «الإنجازات الصامتة» أو الإنجازات اليتيمة، فلم نجد الصدى المطلوب حتى فى حده الأدنى لما هو حاصل فى عموم مصر من مشروعات وإنجازات ومبادرات تستهدف البشر والحجر فى آن واحد، ربما كان البعض ممن انتسبوا زوراً وبهتاناً إلى الصفوف الأولى قد تعاملوا بأنانية شديدة مع هذه الطفرة الإنجازية غير المسبوقة، هم تربوا على أساس رقمى وحسابى وصورة فى الكادر فإذا لم يكن الرقم ملائماً، والحساب جيداً، والصورة مشرقة، فلن يلعب هؤلاء، وهذا هو لب القضية.. وللحديث بقية.
.