أعلنت مصر موقفها بوضوح: «لا للتهجير»، وتدوى صدى هذه الكلمة فى كل مكان على الأرض،. كلمة حازمة أطلقَتْها مصر فى وقت عز فيه قول كلمة «لا»، فوقف العالم بأسره ينظر بإجلال إلى عظمة مصر، أم الدنيا. فعندما تتخذ مصر قرارها، لا يقوى أحد على الوقوف فى طريقها. مصر هى المدرسة التى علّمت البشرية معنى الإنسانية، وأسس البناء، وقيمة العطاء.. منذ فجر التاريخ، وقفت مصر شامخةً كصرحٍ حضارى يُعلِّم العالم كيف يبنى ولا يهدم، و يعمر ولا يخرب، وكيف يجمع ولا يفرق. الشعب المصرى، صاحب أقدم حضارة فى تاريخ البشرية، لم يكن يوماً محتلاً أو معتدياً، بل كان دوماً سنداً للضعيف ومأويً لكل من لجأ إليه. حضارةٌ عظيمةٌ لم تُعلِّم الإنسان كيف يشيد الصروح فحسب، بل علّمته أيضاً كيف يكون إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
على مر العصور، كانت مصر الحضارة التى وقفت كالسد المنيع أمام قوى الطغيان والاستبداد. فمن غزوات الهكسوس إلى حملات نابليون، انكسرت جيوش الطغاة على أرض مصر، ولم تستطع النيل من إرثها العظيم. التاريخ يشهد أن الحضارة المصرية لم تكن يوماً حضارة حروب أو إبادة، بل كانت حضارة علم وفنون وبناء. فمن يراجع صفحات التاريخ لن يجد حضارة تضاهى الحضارة المصرية فى عطائها الإنسانى وإنجازاتها الحضارية.
لم يتوقف عطاء مصر عند حدود تاريخها القديم، بل امتد ليشمل العصر الحديث، حيث كانت ولا تزال تمد يد العون لكل من يعانى من ويلات الحروب والاضطهاد. ففى أوقات الأزمات، مدت مصر يد المساعدة للجميع، مؤكدةً بذلك أنها لم تتخلَّ عن دورها الإنسانى الذى عُرفت به عبر العصور. فمصر لم تكتفِ بمد يد العون الطبى للفلسطينيين الذين يعانون من الحصار والعدوان، بل استقبلت أيضاً آلاف السودانيين والسوريين الفارين من الصراعات الدامية فى بلادهم، وقدمت لهم الرعاية الصحية والتعليم والأمان، دون تمييز.
لكن هذا الإرث العظيم لم يخلُ من الحاسدين. فالكثيرون، لو كان بيدهم عصا ليمحو بها هذا التاريخ، لفعلوا. فهم حين يبحثون فى تاريخهم، لا يجدون إلا الحروب والدمار والإبادة، بينما ينظرون إلى مصر بعين الحسد، ويدبرون المؤامرات ويضعون الحواجز والمعوقات. يعلمون أن جذور الحضارة والعلم والتقدم لا تزال حيةً فى المصريين، وأن الشعب المصرى قادر على العودة إلى سابق عهده كقوة حضارية تُلهم العالم.
فالحضارة المصرية ليست مجرد تاريخٍ مضى، بل هى إرثٌ حيٌ ينتظر اللحظة المناسبة ليعود إلى الواجهة. فالمصريون، الذين بنوا الأهرامات وشقوا قناة السويس، قادرون على إعادة كتابة تاريخهم من جديد. لكن هذا يتطلب وعياً جماعياً بأن الحضارة ليست مجرد ماضٍ نفتخر به، بل هى مستقبلٌ نبنيه بأيدينا.
لذا، فإن مهمتنا اليوم ليست فقط الحفاظ على هذا الإرث العظيم، بل أيضاً العمل على إحيائه من جديد. فالتاريخ لن يرحمنا إذا تركنا حضارتنا تتحول إلى مجرد ذكريات. فلنعمل معاً على إزالة الحواجز التى وضعها الحاسدون، ولننطلق نحو المستقبل بثقةٍ وعزيمة، لأننا نحمل بداخلنا حضارة البناة، لا الهدامين.
فمصر، التى كانت دوماً منارةً للعالم، قادرةٌ على استعادة دورها الحضارى، ولكن ذلك يتطلب منا جميعاً أن نؤمن بقدرتنا، وأن نعمل بجدٍ وإخلاصٍ لتحقيق هذا الحلم. فالتاريخ لن ينتظرنا، والحضارة لا تُبنى بالكلام، بل بالإرادة والعمل. فلنكن على مستوى المسئولية، ولنكتب فصلاً جديداً فى تاريخ هذه الحضارة العظيمة.