هل يمكن ان يستوعب عقل فى ظل هذا التقدم والتطور الهائل أن يخرج شعب من أرضه ووطنه قسرياً دون أن يمنح حتى حق الاختيار؟.. هل يمكن أن يتساوى الضحية والمجرم والقاتل الذى ينهل من الثناء والإشادة الأمريكية بعد كل هذه الفظائع وحرب الإبادة على شعب أعزل تفنن وأشبع غريزة الدمار والخراب وقتل الأطفال والنساء.. ولم يبق على أى ملامح لقطاع غزة.. هل يمكن ان يقبل العالم الذى يتشدق بالإنسانية والمبادئ والقوانين وحقوق الإنسان أن يهجر شعب رغماً عنه وقسرياً من أرضه وقد حفر فى التاريخ اسمه.. وسطر وثيقة الخلود والحقوق على أرضه.. تسانده الجغرافيا.. ويدعمه التاريخ ليأتى الغاصب لينهب ويتوسع ويهجر؟.. كيف لهذا العالم الذى وصل إلى ذروة التقدم أن يقبل على نفسه اغتصاب وطن وطرد شعب فى وضح النهار من أجل ان يهنأ وينعم المحتل ويتلذذ بنخب الحرام؟.
كثيرون هم من يقولون ان النظام العالمى الذى تأسس أعقاب الحرب العالمية الثانية وأسفر عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقواعد ومبادئ القانون الدولى.. والدولى الإنسانى قد «سقط» وتبخرت القرارات والمرجعيات ولم تعد تساوى ثمن الورق والأحبار التى خطت عليها فكيف يمكن ان يخرج علينا بعد عقود من التشدق بالإنسانية والقانون الدولى ليطلب أو يعلن تهجير الشعب الفلسطينى وانه لا سبيل أمام الفلسطينيين فى غزة إلا الرحيل وإخلاء القطاع.. وسيطرة قوات أجنبية على الأرض الفلسطينية بزعم الدواعى والمبررات والذرائع الإنسانية وهو حديث شديد التناقض.. والسؤال المهم.. لماذا لا يدفع الثمن من ارتكب جرائم الحرب والإبادة ودمر الأخضر واليابس وقتل 47 ألفاً من الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء ومن قضى على مقومات الحياة فى القطاع ومن حوله إلى حطام وركام بدلاً من تمجيده والثناء عليه والاحتفاء به رغم انه هارب من قرار الجنائية الدولية ومطلوب لديها.. وهل يعاقب الشعب صاحب الوطن والأرض بالطرد والتهجير ليخلو القطاع والضفة للكيان تحت ذرائع مختلفة ومتناقضة وبدواعى الإنسانية؟.. وكيف يتم تهجير الفلسطينيين بدواع تزعم انها إنسانية ثم تنسحب من وكالة الأونروا؟.. ولماذا لا تتم علية إعادة الإعمار للقطاع فى وجود سكان غزة؟.. ولماذا محاولات اجبارهم على ترك القطاع دون التعرف على رغبتهم؟.. وهل اشتكى الفلسطينيون لأحد من سوء الأوضاع الإنسانية حتى يهجروا؟.. أليست لديهم حالة ارتباط مقدس وعشق لهذه الأرض بأى وضع كانت؟.. وإذا كان الهدف تحويل غزة إلى منتجع ممتع وجميل وريفيرا.. لماذا لا يبقى الفلسطينيون فى هذه الريفيرا أليست أرضهم؟.. لا أريد توصيف ما دار بشكل غير لائق. فهو يفوق أى عقل ومنطق.. وأرى انه إعلان رسمى بوفاة كل صنوف الإنسانية والعدل والشرعية الدولية.. بعد عقود الهيمنة التى ارتكزت على ازدواجية المعايير ولم ينجح النظام العالمى القائم فى أى اختبارات لإرساء قواعد السلام والأمن والاستقرار والانصاف.. أحاديث التهجير والترحيل ومنتجعات «الريفيرا» على حساب وطن وشعب والتى يرفضها العالم حتى حلفاء من يجاهرون بهذه المعاصى والكبائر الدولية فى سياسات العالم المتحضر هى تأكيد على وفاة النظام العالمى القائم.. وأصبحت لغة القوة والتهديد والوعيد والاجبار هى الشعار الرسمى للمرحلة الحالية دون أدنى اهتمام بقوانين دولية أو مبادئ وحقوق إنسان أو أمم متحدة التى وصفت بأنها لا تعمل بشكل جيد رغم أنها وصفت من قبل أنها تعمل لمصالح قوى الهيمنة.. ولكن السؤال هل هناك من استأذن أو حصل على قرار من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن فى تدمير العراق وأفغانستان وفيتنام أو غزة وتدمير كامل للقطاع على الاطلاق؟.. لم يحدث.. لا نشهد بادرة أمل تستطيع ان تنقلنا من خانة استعراض العضلات والتلويح بالقوة أو ممارسة الانتهاك واللامبالاة لأى قوانين أو مرجعيات أو إنسانيات ويجسدها نتنياهو فى أسوأ الحالات.. لكن من فرط الإصرار على تهجير الفلسطينيين من غزة يشير إلى ان كل الخفايا تكشف ان هناك أهدافاً باتت واضحة للجميع.. هناك مشروع تتبناه قوى دولية وإقليمية متعددة المصالح والأهداف.. لم تنجح إسرائيل سوى فى التمهيد له.. من خلال خلق واقع الدمار والخراب والإبادة فى غزة دون تحقيق الهدف أو الأهداف الرئيسية.. لذلك هناك من يتصدى لمحاولة فرض الأمر الواقع.. باستعراض القوة وذلك سيؤدى وسيذهب بالمنطقة إلى مرحلة الاشتعال فى ظل الرفض الدولى والعربى الذى يسطع مثل الشمس.. كما ان تأجيج بؤر الخلافات والصراعات مع دول العالم قد يذهب بإشعال هذا العالم.. فهناك بدائل أخرى للصدام أكثر نجاحاً وواقعية.. وهى النقاش والحوار أو السياسية والتفاوض وطرح الرؤى التى من شأنها ان تؤدى إلى أن يعم السلام والأمن والاستقرار ليس فى منطقتنا فحسب ولكن فى العالم الذى هو مثل الجسد الواحد.. شرارة الصراعات وتداعياتها تؤثر وتزيد معاناة الجميع فى هذا العالم.. الذى لم يعد يعرف سوى القتل والخراب والدمار والإرهاب والتآمر ولم يعد العالم المثالى الذى ينشده البشر بل أشبه بالغاب يأكل فيه القوى الضعيف ولا يعرف سوى لغة المصالح غير المشروعة والأطماع التى تتجاوز كل حدود العقل والمنطق وما استقر من قوانين ومواثيق وأعراف حتى وصل النظام العالمى إلى سقوط أخلاقى واضح يكشف عوراته ويعكس قرب نهايته.. العالم على شفا مواجهة شاملة تأكل الأخضر واليابس.. ربما تحدث لحظة تهور.. فالسلام المنشود لا يتحقق إلا بتطبيق القوانين والقرارات المتعلقة بالشرعية الدولية.. لذلك مطلوب إنهاء الوضع العالمى المتأزم بأسرع وقت ممكن بما يحفظ سيادة الدول وأراضيها وحماية البنية القانونية والعلمية العالمية والتمسك بالمبادئ الإنسانية.
مخطط التهجير لن يتم بأى حال من الأحوال فإرادة الدول والشعوب والتمسك بالأرض والأوطان أكبر من أى قوة تظن انها قادرة على فرض الأمر الواقع.. فلا يمكن للشعب الفلسطينى ان يوافق على ترك أرضه والتنازل عن قضيته وحقوقه المشروعة والتفريط فى تضحيات وأرواح ودمار وتكلفة باهظة على مدار 75 عاماً من النضال والكفاح من أجل قضيتهم.. ومصر لن تتزحزح عن موقفها الثابت وخطوطها الحمراء.. وهناك أمة والعرب تنبض بالحياة ولديها ثوابت ومقدسات وأوراق وفى ظل الاجماع الدولى ان حل الدولتين هو الضمانة الأساسية لعدم تجدد الصراع.. فإن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 قادمة لكن لدينا درساً وربما دروس مهمة ان كرامة الأوطان هى رهن قوة إرادة شعوبها وان رؤى العظماء فى بناء حصن القوة والقدرة هى سر بقاء الدول.. لذلك فإن ما فعلته الدولة المصرية على مدار أكثر من 10 سنوات على طريق تحصين الوطن يجب ان يدرس لكافة الأجيال وأن يوضح ويشرح لأنه السبب الرئيسى فى الوقوف على أرض صلبة فى مواجهة «طوفان» المخططات والأطماع ومحاولات التركيع والابتزاز وتهديد الأمن القومى.