رحلته إلى عالم التلاوة لم تكن سهلة ومرت بمحطات كثيرة بدأت بانقطاعه عن الدراسة واتجاهه للقراءة فى الكتًّاب بقرية الرزيقات بأرمنت التابعة للأقصر.. وبعد حفظ القرآن تعلم التجويد على يد علماء أفاضل أخذوا بيده.. ومنذ البداية لمس أبناء قنا أنه قارئ مميز ويعيش فى جلباب الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والشيخ صديق المنشاوى.. ومع نضوجه أصبح له تميزه المستقل.. وبدأ فى الانتشار بقرى الأقصر وإسنا وامتد إلى قوص وقنا ودشنا وأبوتشت ونجع حمادى ووصل إلى سوهاج إضافة إلى إدفو وكوم أمبو ودراو وأسوان.
وأحس بأنه سيقف طويلا أمام باب ماسبيرو فكتب خطابا إلى السادات يعبر فيه عن أمله فى أن يقبل قارئا بالإذاعة عبر محطة القرآن الكريم وقد كان وشق طريقه قبل عام 1975.
كانت البداية صعبة عند ولادته بقرية «الرزيقات» فى 21 فبراير عام 1938.
فى طفولته وعند سن العاشرة كان قد أتم حفظ القرآن كاملاً وبينما الطفل أحمد الرزيقى يسير فى طريقه إلى مدرسة وجد تجمعا عند منزل أحد الأثرياء فى المنطقة ببلدته فسأل بعفوية الطفل عن سبب تجمع الناس فعرف أنه بسبب أن الشيخ عبدالباسط عبدالصمد سيقرأ فى هذا المكان القرآن الكريم.. فقال لنفسه لقد حفظت القرآن لماذا لا أكون مثل هذا الرجل.. ومن هنا قرر أن يلتحق بحلقات القراءة فى «كتاب القرية» ولم يعترض والده بل شجعه عندما لمح إصراره على المضى قدما فى هذا الطريق ـ طريق عبدالباسط عبدالصمد ـ ومع إتمامه حفظ القرآن اشترى له والده راديو واتجه والده معه إلى شيخه محمود إبراهيم كريم الذى درًّبه كثيراً فى مرحلة يمكن القول إنها تأسيسية تعلم منها كثيرا وانتقل بعد ذلك إلى بلدة قريبه هى «أصفون المطاعنة» المجاورة للرزيقات التى بها معهد للقراءات وكان الشيخ محمد سليم المنشاوى يتولى أمر المعهد وهو معهد لتعليم القراءات وتلقى فيه التجويد والقراءات السبع وعلوم القرآن فى هذا الوقت المبكر كان طموحه كيف أصل للقاهرة واعتمد فى الإذاعة.
وكان شهر رمضان فاتحة خير على الرزيقى حيث كان مشهورا بإحياء ليالى الشهر الكريم فى قرى قنا وكل قرى الصعيد الجوانى.
ومع الشهرة والسمعة الطيبة بين أهل الصعيد والمنزلة المميزة التى وجد فيها قارئ القرآن فى الصعيد فى ذلك الوقت.. نجح فى القبول بالإذاعة مقرئا بعد كتابه الشهير للرئيس الراحل أنور السادات واعتمد عام 1975.
سر قرية إبراش
كان الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل مراقب الشئون الدينية والثقافية بالإذاعة أحد أسباب تأخر اعتماده فى الإذاعة وكذلك أحد المسئولين الكبار بإذاعة القرآن الكريم لم يكن متحمسا للشيخ أحمد الشحات الرزيقى لانضمامه إلى قائمة عباقرة التلاوة لكنه علم بخطاب السادات فقرر متابعة الشيخ الرزيقى الذى كانت الدعوات تصله إلى القرى والمدن من كل المحافظات لإحياء المناسبات أو المآتم وبدون علم أحد كان يتابعه وتصادف أن الشيخ الرزيقى كان يقرأ بقرية إبراش بالشرقية.. وبهدف إعادة النظر فى الموقف تجاه قبوله بالإذاعة سجل له اسطوانة فى هذه القرية.. وتم عرض الاسطوانة على لجنة خاصة.. ونالت رضا اللجنة التى أكدت على إمكاناته العالية فى القراءة وبالفعل اعتمد فى الإذاعة لينهى مرحلة انتظار طويلة باسطوانة سجلت له فى قرية إبراش ـ شرقية.. واعتمد الرزيقى بعد نحو ربع قرن من اعتماد رفيقه الشيخ عبدالباسط عبدالصمد..
وأصبح القارئ ابن قرية الرزيقات بصمة مهمة فى القراءة.. ولم ينس طوال حياته رد السادات على خطابه بالموافقة أن الإذاعة فى انتظاره للاختبار.. وعندما وصفته اللجنة أمام وهلة ٦ أشهر لم يصبه البأس وعاد بعدها ليتم قبوله ومع الشهرة ذاع صيته وجاء إلى القاهرة وحصل على أمين عام نقابة القراء وقارئا فى مسجد السيدة نفسية وخصص له كل يوم جمعة نصف ساعة فى البرنامج العام من الثامنة حتى الثامنة والنصف.. وشق طريقه إلى بلدان العالم الإسلامى والدول العربية لتلاوة القرآن الكريم لكنه لم ينس أبدا الرزيقات ومحافظته.. وكان يحيى ليالى رمضان بها وعلى المستوى الشخصى قرأت فى عيونه السعادة عندما تولى المحافظة أحد شبابها فى عهد الرئيس أنور السادات واختياره لابن المحافظة عبدالمنصف حزين فى السبعينيات محافظا.. وكان مغرما به ومن عادته أن يحيى ليالى رمضان فى قرى المحافظة وقد رافقته فى عدة قرى فى قنا ومنها «القرنة» قرية شيخ الأزهر حاليا الشيخ أحمد الطيب وغيرها من القرى التى كان يذهب إليها صاحب الحنجرة الذهبية الشيخ أحمد الرزيقى فى دشنا ونجع حمادى وقوص ونقادة والبر الغربى لقنا وقرى اسنا كان نجم القراءة فى ليالى الشهر الكريم فى ذلك الوقت… ومع القرآن الكريم منح الأوسمة والميداليات ونال وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره فى قراءة القرآن الكريم.
النشأة
لكل أطفال الريف وخاصة فى الصعيد الجوانى فى أرمنت وتحديدا فى قرية الرزيقات التى حمل اسمها ولد الشيخ أحمد فى 21 فبراير 1938.. وكانت أسرته تتوقع أن يمضى طريقه فى التعليم ليصبح محاميا أو طبيبا.. وفى أحد الأيام بينما هو ذاهب إلى المدرسة وجد تجمعا من المواطنين يلتفون حول جهاز راديو عند أحد وجهاء القرآن وعندما اقترب علم أنهم ينتظرون ابن منطقته الشيخ عبدالباسط عبدالصمد سيتلو القرآن عبر الإذاعة كان هذا الحادث وراء تفكير الطفل أحمد الرزيقى ليغير مجرى حياته ودون أن يخبر والده اتجه إلى كتًّاب القرية ومازال صوت عبدالباسط الذى سمعه فى الإذاعة يرن فى أذنه.
وكانت البداية فى الكتًّاب عندما يقرأ تجده مقلدا لشيخه المعجب به عبدالباسط.. لكنه مع البداية تأكد أنه لكى يدخل هذا العالم العبقرى مع عباقرة التلاوة لابد أن يكون له «بصمة» منفردة بصوته «الرزيقى» وأن تقليد القراء المشهورين والمشايخ الكبار لن يفيده كثيرا.. وفى قريته تصادف إحياء المولد النبوى الشريف وجد نفسه فى امتحان صعب أنه مطالب بإحياء الليلة منفردا وكانت الليلة تعادل فى ذلك الوقت مبلغ «10 صاغ» وكانت هذه الليلة فاتحة الخير وانهالت عليه الدعوات من كل مكان فى قنا لإحياء ليال القرآن الكريم.
وتطور الأمر عام 1965 كان الشيخ قد بلغ من العمر 27 عاما وطالبه أهل القرية بإحياء 12 ليلة بمناسبة المولد النبوى بـ 60 جنيها أى 5 جنيهات لليلة الواحدة.. وهنا وجدا ثمره كده واجتهاده لكن لازال أمام الرزيقات حلم الوصول إلى الإذاعة وأن يكون مثل عبدالباسط عبدالصمد الذى يحبه..
الرزيقى فى القاهرة
بعد أن ذاعت شهرته فى قرى الصعيد وبدأت تنهال عليه الدعوات ومهد له ذلك الذهاب إلى القاهرة للاحتكاك بالمشاهير من القراء فى عصره الذين تتلمذ على يديهم وتلقى عنهم أصول القراءة.. وفى القاهرة شارك فى إحياء ليالى السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين.. كما تعرف على الشيخ محمد رفعت والشعشاعى وشعيشع والمنشاوى ومصطفى إسماعيل، بالإضافة إلى مثله الأعلى بلدياته القريب منه الشيخ عبدالباسط عبدالصمد.
وفى القاهرة تعرف على الكثيرين: وقبل قبوله بالإذاعة كان قد تعرف على وزير الإعلام الأسبق محمد فائق ودعاه لدخول امتحان الإذاعة وشاء القدر أن تحدث النكسة فى 5 يونيو 67 فتأخر قبوله أكثر من 7 سنوات.
الغزالى والرزيقى
يوم اختباره للقبول بالإذاعة المصرية كقارئ طلب منه الشيخ الغزالى أن يقرأ سورة «التغابن» تجويداً.. فقال له لم أعوّد نفسى على تجويدها ولكن أجيد أدائها ترتيلا.. وأصر الشيخ الغزالى على أن يجودها.. وهنا تدخل زميله عضو اللجنة الراحل د.عبدالله ماضى وقال للغزالى: الرزيقى صادق.. وأود أن تسمح له أن يقرؤها مرتلا.. وهنا سمح له الغزالى بأن يقرأها ويرتلها وسعد بأداء الشيخ الرزيقى وشكره وأثنى على الأداء.. تأثر الشيخ الرزيقى كثيرا بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد وكان من أشد المعجبين به وبصوته ويعتبره مثله الأعلى وعندما وصل القاهرة كان مهتماً كثيرا بالشيخ عبدالباسط عبدالصمد الذى شجعه على القراءة بين الرعيل الأول من القراء.. فى رحلته مع القرآن الكريم تم تكريمه بحصوله على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير من مصر والعالمين العربى والإسلامى.
الوفاة
توفى الشيخ أحمد الرزيقى المولود فى الرزيقات عام 2015 بعد رحلة حافلة مع التلاوة بدات فى 8 ديسمبر عام 1938 عن عمر يناهز الـ 77 عاما.. وكان قد تعرًّض لأزمة صحية انتهت بوفاته التى تعد خسارة كبيرة لعالم التلاوة وللقراء فقد حاز على الكثير من المواقع لتلاوة القرآن فى المساجد الكبرى.. ويظل صورته الذهنية لدى المستعمين فى مصر ماثلة فى الأذهان بما تركه من تراث مميز فى تلاوة القرآن الكريم كأحد العباقرة فى مدرسة التلاوة المصرية.
اعتذر عن عدم القراءة فى الحسين
اعتذر الشيخ أحمد الرزيقى عن عدم قراءة السورة فى مسجد الإمام الحسين.. وقال فى خطاب اعتذاره لنقيب القراء ومنها الشيخ أبوالعينين بأنه متمسك بالقرأءة فى مسجد السيدة نفيسة.
15 عاما على باب الإذاعة
الشيخ أحمد الرزيقى كان من يسمعه فى البدايات يتخيل أنه يستمع إلى الشيخ المنشاوى الابن.. وبعد برهة من الاستماع تتأكد أنه ليس صديق المنشاوى الابن وأنه الشيخ الرزيقى وكان كثيرون يلحظون هذا الربط لكن الرجل استقل سريعا بشخصيته.
الشيخ فى حضرة الملك
كان الشيخ أحمد صديق مقربا لابن بلده الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وكان يرافقه فى كثير من سفرياته للجاليات الإسلامية فى الخارج فى آسيا وأوروبا.. وفى أحد ليالى رمضان المبارك عام 1976 تصادفا معا فى المملكة العربية السعودية واستقبل الشيخان عند الملك خالد بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين رحمه الله وكان ذلك بعد وفاة الملك فيصل رحمه الله.. وكان معهما الشيخ محمد محمود الطبلاوى واعجب الملك بأصواتهم وأثنى على صوت الشيخ أحمد الرزيقى.
الشيخ محمد سليم
عندما انقطع الشيخ أحمد الشحات الرزيقى عن الدراسة واضطر والده لإلحاقه بالكتًّاب حتى حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمود إبراهيم الذى ألحقه بقرية أصفون المطاعنة.. لكن بقى أمام الصبى اليافع اتقان تجويد القرآن.
وهنا تولى هذه المهمة شيخه محمد سليم الذى اطمأن على نبوغ الشيخ أحمد قراءة ومخارج للألفاظ قبل أن يأتى إلى القاهرة.. وبعد أن ذاع صيته فى قرى أرمنت والأقصر ومحافظته قنا.. وصل القاهرة عام 1965 وكان اسمه من أسماء المقرئين المشهورين القادمين من عمق الوادى بالصعيد الجوانى.
دراسة الموسيقى العربية
عام 1965 قرر الشيخ أحمد الرزيقى دراسة الموسيقى واعتبر الرزيقى إعجاب الملك خالد بصوته شهادة غالية كان يرددها على كثير من مجالسه كما أشاد الملك بالقراء من الصعيد ذاكرا بعضهم.
وصعيد مصر قدًّم عدداً كبيراً من أعلام دولة التلاوة مصر بينهم الشيخ محمد رفعت والشيخ صديق المنشاوى وأولاده محمد صديق المنشاوى ومحمود صديق المنشاوى وبالطبع اسطورة التلاوة عبدالباسط عبدالصمد والشيخ محمود عبدالحكم وهذه الأسماء من أبناء قنا وسوهاج وهناك كثيرون من أبناء الصعيد بينهم الشيخ عوض القوصى والشيخ طه الفشنى ببنى سويف.
وفى قسم الدراسات الحرة بالمعهد العريق التحق به ولمدة عامين وتولى تعليمه الموسيقى بقسم الدراسات الحرة الموسيقار محمود كامل.. وكان الشيخ الرزيقى من عشاق الموسيقى ويرى أن القرآن الكريم بالنسبة للقارئ والمستمع موسيقى قرآنية خاصة.
أمانة النقابة
يعتبر أحمد الرزيقى اختياره أمينا عاما لنقابة قراء مصر شهادة ووسام من زملائه قراء القرآن الكريم وتكريم خاص يعتز به واستطاع خلال توليه المنصب أن يقدم الكثير من برامج الخدمات التى تقدمها النقابة وفى احتفال ليلة القدر عام 1990 والذى أقامته وزارة الأوقاف تم منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.