«إلى أين تأخذنا هذه الحروب الرهيبة؟».. سؤال الساعة وكل ساعة الذى يفرض نفسه علينا نحن العرب ممن قدر لهم أن يعيشوا فى منطقة «ملتهبة» تحيط بها الأطماع من كل جانب ويتكالب عليها المتآمرون من كل اتجاه، أيضا هو سؤال مهم ومشروع يبحث عن إجابة واقعية فى ظل حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من عام وراح ضحيتها حتى الآن نحو مائتى ألف شهيد وجريح، وفى ظل التوصل لاتفاق «هش» لوقف إطلاق النار فى الجنوب اللبناني، ثم اشتعال حرب «غير مبررة» فى سوريا تساهم فيها دول وجهات أجنبية وتنفذها تنظيمات إرهابية يزيد عددها عن مائة تنظيم.
أهمية السؤال ومشروعيته تأتى كذلك فى ظل ما هو معروف أن معظم هذه التنظيمات صناعة أمريكية – إسرائيلية، وأن ظهورها فى الأراضى السورية جاء قبل سنوات وكامتداد طبيعى للأوضاع التى أوجدها الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، ويكفى فى هذا الصدد أن نشير إلى أن أحد أخطر التنظيمات الإرهابية وهو تنظيم «داعش» تمكن عام 2014 من احتلال مساحة كبيرة فى العراق وسوريا قدرت «آنذاك» بمائة ألف متر مربع كان يقطنها نحوعشرة ملايين شخص عانوا من الحرب والقتل والدمار، وذلك قبل هزيمة التنظيم فى العراق عام 2016 والتهدئة معه فى سوريا عام 2020.
لقد كانت صناعة تنظيم «داعش وقبله تنظيم «القاعدة»وغيرهما من التنظيمات الإرهابية فى العراق وسوريا وامتدادهما بعد ذلك فى عدد من البلدان العربية، من أبرز جرائم الاستعمار الجديد فى العقد الماضي، وذلك وفق دراسات سياسية أمريكية أقرت فى وقت سابق بأن هذه التنظيمات ضمت عناصر من المرتزقة نظمها الكيان الصهيونى للتصدى لحركات المقاومة ضد إسرائيل، وأن المذابح التى نفذها الإرهابيون تشبه جرائم الاحتلال الإسرائيلى ضد الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة، وبينت الدراسات أن هذه التنظيمات نفذت أعمال عنف مروعة تضمنت قطع الرءوس أمام الجميع، واضطهاد الطوائف المختلفة، بما يؤكد التعاون بين إسرائيل والتنظيمات الإرهابية، والذى برره أحد الإرهابيين بقوله «إن الله لم يأمر بقتال إسرائيل، ومن ثم فلا مانع من التعاون معها»؟!.
ما ذكره الإرهابى الداعشى يكشف إلى حد بعيد ضحالة فكر العناصر المتطرفة والتنظيمات الإرهابية وتبنيها للفكر الصهيونى وتبعيتها للاحتلال الإسرائيلى فى كل مخططاته وجرائمه، وهو ما أثبتته الأحداث من دعم إسرائيل لهذه التنظيمات بالسلاح والمال والمعلومات وحتى علاج المصابين من عناصر الإرهاب كانت تتم بالمستشفيات الصهيونية فى تل أبيب، أيضا فإن مسرح العمليات الإرهابية لم يشمل فى أى وقت الكيان الصهيونى وإنما استهدف دائما دول المواجهة مع اسرائيل ودولا شقيقة أخري، وتسببت عمليات الإرهاب «المشبوهة» فى بعض الدول الأوروبية والآسيوية فى الإساءة للإسلام وللمسلمين، ومنح إسرائيل المبررات اللازمة للعربدة فى المنطقة العربية ومواصلة العدوان على العرب والفلسطينيين.
كل ذلك يؤكد أن صمت الميليشيات الإرهابية فى سوريا طوال السنوات القليلة الماضية جاء وفق مخطط صهيوني، وأن انطواء هذه التنظيمات تحت راية ما يسمى بـ « هيئة تحرير الشام» جاء وفق مؤامرة غربية، كذلك فإن الدعم الأجنبى لهذا التحالف الميليشياوى بكميات كبيرة ومتنوعة من الأسلحة ثم شنه الحرب على القوات الحكومية السورية فى اعقاب توقف العدوان على الجنوب اللبناني، يعنى أن هناك مؤامرة « أمريكية – إسرائيلية» تستهدف سوريا، وستظهر أبعادها خلال الفترة القادمة بما فيها احتمال تقسيم سوريا فى إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد الذى تصر الولايات المتحدة على تنفيذه.
هذه القراءة السريعة ربما تجيب عن جزء من السؤال الذى بدأنا به «إلى أين تأخذنا هذه الحروب الرهيبة؟»، هذه الإجابة تعنى أن معظم الدول العربية مهددة بالمخطط الصهيونى بالحرب والاستهداف والتقسيم، والأخطر من ذلك أن مصر تقع فى القلب من هذا المخطط، والدليل على ذلك استهدافها من قبل بإشعال أحداث يناير 2011 وبدعم جماعة الإخوان الإرهابية إلى ان تم التخلص من الجماعة بثورة شعبية فى 30 يونيو 2013، كذلك هزيمة التنظيمات الإرهابية فى سيناء قبل أن تتوحش ويصعب دحرها مثل ما يحدث فى سوريا الآن.
من هذا المنطلق، فإن أهم ما نتوقعه من شعبنا المصرى الأصيل فى هذه المرحلة الخطيرة التى تمر بها منطقتنا العربية هو المزيد من الوعى الوطنى والالتفاف حول قيادتنا السياسية ودعم الجيش والشرطة والاستعداد فى كل لحظة لمواجهة التحديات القادمة، وردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن مصر واستقرارها أو تهديد أمننا القومي.