تحدثت فى الحلقة الأولى من مقالى بناء القدرة الشاملة والتى انطلقت قبل أكثر من 10 سنوات فى ثلاثة مسارات وهى القدرة السياسية والعسكرية والاقتصادية من أجل حماية الأمن القومى المصرى ووجود وبقاء الدولة والتصدى للأطماع والمخططات التى تستهدف الأرض والسيادة المصرية وتأمين احتياجات المصريين من السلع الأساسية والطاقة والاحتفاظ بمخزون إستراتيجى لا يقل عن 6 أشهر ويصل إلى مدة عام.. إدراكاً ان الدولة المصرية مستهدفة بمحاولات التركيع والابتزاز والحصار والخنق الاقتصادى والمساومات.. بالإضافة إلى امتلاك التأثير الإقليمى باستعادة الدور والثقل وقيادة مصر للمنطقة.. والفعالية الدولية من خلال بناء شبكة علاقات دولية قوية ومتعددة ومؤثرة ترتكز على الشراكات الإستراتيجية والمصالح المتبادلة وما يمكن أن تحققه مصر لأصدقائها وما يمكن ان تحصل عليه منهم خاصة فى ظل كثرة الفرص الثمينة لدى مصر ومستقبلها الواعد.
أهداف بناء القدرة الشاملة المصرية تستهدف فى الأساس حماية وجود الدولة المصرية والقدرة على تحقيق الاستغناء والاكتفاء بأكبر قدر والاحتراز من التقلبات الدولية التى تحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال اجتماعه مع الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير النقل والصناعة ووزير الكهرباء والدكتور بهاء الغنام المدير التنفيذى لجهاز مستقبل مصر بتسريع التغذية الكهربائية الإضافية لمشروع الدلتا الجديدة لتأمين احتياجات المصريين خاصة فى القطاع الزراعى وهى رؤية انطلقت منذ أن تولى الرئيس السيسى قيادة الدولة المصرية.. عمل على تحقيق طفرات غير مسبوقة فى كافة القطاعات.. فلا يجب ان تعتمد مصر على الخارج بنسبة أكثر من 70 ٪ من احتياجاتها وألا تترك الأمور للصدفة فى ظل استهداف الدولة المصرية.. لذلك بنى الرئيس السيسى إستراتيجية شاملة ومتكاملة لتأمين الدولة من أى مخططات وضمان استقلال وقدسية قرارها الوطني.
فعلى سبيل المثال فى قطاع الزراعة وهو أساس الأمن الغذائى هناك نجاحات وإنجازات غير مسبوقة فى ايقاف نزيف الأراضى الزراعية وهى من الأجود التى لا تحتاج لأى تكلفة ثم التوسع فى استصلاح وزراعة الأراضى والتى وصل عددها لأكثر من 4 ملايين فدان فى توشكى والدلتا الجديدة ومنها مشروع مستقبل مصر وسيناء والوادى الجديد ومحافظات الصعيد ورأينا محطة المعالجة الثلاثية فى بحر البقر بطاقة يومية 5.6 مليون متر مكعب ثم المحطة التى تخدم مشروع الدلتا الجديد وهو يضيف 2.2 مليون فدان بطاقة يومية 6.5 مليون متر مكعب لمعالجة مياه الصرف الزراعى لرى هذه المساحات الشاسعة وهى أقرب لمفهوم المدن الزراعية الشاملة التى تحتاج إلى محطات مياه وكهرباء وطرق ومصانع وشبكات طرق.. لذلك وصلت مصر إلى معدل للصادرات الزراعية غير مسبوق بتصدير ما قيمته 10.8 مليار دولار إلى 160 سوقاً دولية وهناك المزيد.. ومع هذا الرقم التاريخى هناك نجاح أيضا فى توفير احتياجات ما يقرب من 120 مليون انسان سواء من المصريين أو اللاجئين دون وجود نقص أو عجز.. هذه الرؤية ليست فقط فى الزراعة ولكن فى الصناعة وفى مجال الطاقة والذى حققت مصر فيه إنجازات تاريخية سواء على مستوى الطاقة التقليدية أو الجديدة والمتجددة النظيفة والتى ستصل إلى 42 ٪ من اجمالى الإنتاج من الطاقة الكهربائية بحلول 2030 وهناك ربط كهربائى مع دول صديقة وشقيقة تصدر مصر لها الطاقة وأيضاً فى إقامة الموانئ العصرية والحديثة وشبكات الطرق الإستراتيجية وتطوير قناة السويس.. لذلك الرئيس السيسى خاض معركة مصير لبناء مصر القوية القادرة لحماية وجودها ومقدراتها ومواقفها وخطوطها الحمراء.
لم يقتصر الأمر على النهضة غير المسبوقة فى قطاع الزراعة ولكن أيضاً فى توفير احتياطى إستراتيجى من السلع الأساسية والقضاء على نسب الهدر المرتفعة وتوفير عملية تخزين آمنة وعصرية.. لذلك نجد ان المشروع القومى لإقامة صوامع الغلال العملاقة الذى وصل إلى طاقة استيعاب تزيد على الـ5 ملايين طن للقمح والغلال والاحتفاظ بهذا المخزون بإجراءات السلامة والأمان ومراعاة المعايير الصحية يحمى مصر من الأزمات الطارئة فلا مجال للعشوائية وللصدفة.. كل شيء له حساباته وتقديراته.. والملاحظ وما يستحق التحية ان مصر لم تواجه أى عجز أو نقص فى السلع الأساسية والاحتياجات الضرورية للمصريين فى أوج الأزمات الإقليمية والعالمية خاصة أزمتى «جائحة كورونا» ثم «الحرب الروسية- الأوكرانية» ظلت الأسواق المصرية عامرة بكافة الاحتياجات.
الرئيس السيسى على مدار أكثر من 10 سنوات امتلك الرؤية والإرادة على تمكين مصر من الوفرة وترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات بأكبر درجة ممكنة وتقليل فاتورة الاستيراد وتعظيم التصنيع والتصدير والإنتاج المحلى بحيث ان مصر لا تكون تحت رحمة الظروف أو المساومات أو الابتزاز أو القوى المعادية وربما تفرض الظروف عدم قدرة الأصدقاء على توفير احتياجات مصر بسبب حاجة هذه الدول لإنتاجها فى وقت الأزمات الدولية أو لحسابات تتعلق باحتياجات شعوبها.
الظروف الدولية والإقليمية الحالية والمشهد فى المنطقة وما يموج به من صراعات ومخططات وممارسة كافة الضغوط على مصر من أجل التفريط أو التنازل عن مواقفها خاصة موقفها الرافض القاطع ضد التهجير يؤكد نجاح وعبقرية رؤية الرئيس السيسى فى بناء القدرة الشاملة عسكرياً بحيث تكون الدولة قادرة وبدرجة فائقة على الدفاع عن نفسها ووجودها ومصالحها ومقدراتها واتخاذ القرارات ومواقف تعكس إرادة شعبها.. وكذلك امتلاك القدرة السياسية التى اتسمت بالحكمة والتوازن وبناء علاقات دولية مع الجميع خاصة القوى الكبري.. فمن ينظر إلى علاقات مصر بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والصين وروسيا والهند يجدها علاقات ترتكز على الشراكة الإستراتيجية ولا توجد علاقة بديلة لأخرى ولكن الدولة المصرية تبحث عن مصالحها وتلبية آمال وتطلعات شعبها.. ولعل زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون تؤكد وتجسد القدرة السياسية المصرية وكما وصف الرئيس السيسى ان مصر هى دولة الفرص التى تتوفر لها مقومات النجاح والحماية وأصبحت مصر الطرف الأهم والأساسى فى المعادلة الإقليمية والفاعل فى المعادلة الدولية.
على الجانب الاقتصادى والتنموى خرجت مصر من دائرة محدودية الموارد والفرص إلى آفاق رحبة لتعدد مصادر الموارد وأيضا تعدد وكثرة الفرص الثمينة خاصة فى ظل ملحمة البناء والإصلاح والتطوير على مدار أكثر من 10 سنوات خاصة البنية التحتية العصرية وتهيئة أنسب السبل للاستغلال والاستثمار فى هذه الفرص فى ظل موقع إستراتيجى مهم وشبكة موانئ عالمية وطرق عصرية ومدن جديدة.
ان بناء القدرة الشاملة للدولة هو عمل وإنجاز وجودى يستهدف حماية الدولة وأمنها القومى وحماية مشروعها الوطنى لتحقيق التقدم وقدرتها على التصدى للمخططات والمؤامرات.