منذ ما يسمى بثورات الربيع العربى تعثر الانتاج الفنى السورى الكبير، والثري، فى العقد الأخير لدرجة لا تقارن بما قبل سنوات (الربيع العربي) من انتاج لاعمال كبيرة ومهمة وقوية، صحيح ان انتاج الأفلام السينمائية قل، خاصة الأفلام الروائية الطويلة، ولكنها مع ذلك كانت دائما معبرة عن الأوضاع السورية اقتصاديا وإنسانيا، وهو ما رأيناه عبر مهرجانات السينما المصرية، خاصة مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط الذى كان يحتفى دائماً بالفيلم السوري، ويكرم صناعه، وفيه قدم الفنان الكبير دريد لحام عدداً من أهم افلامه مثل (الحدود) و(التقرير) وكان آخرها (دمشق حلب) عام 2018 الذى قدم من خلاله احداث الحرب فى دمشق فى أيام الربيع العربى من خلال قصة أب يعيش وحيدا منعزلا فى بيت يمتلكه فى منطقة ريفية بينما تعانى ابنته الوحيدة من وجودها فى مدينة حلب المحاصرة، وحين ينتهى الحصار يجرى لزيارتها لنرى من خلاله ماذا حدث للمدينة الجميلة، وكيف حولها الحصار إلى شبه مدينة يعانى سكانها كثيرا فى البحث عن الأمان، وعن الغذاء، وعن من تغيب منهم ولم يعد إلى عائلته، فيلم مهم ومؤثر أخرجه مخرج قدير هو (باسل الخطيب) الذى رأينا له ايضا افلاماً اخرى مهمة منها (حارس القدس) عن المطران ايلاريون كبوتشى الذى اعتقلته اسرائيل لدفاعه عن حقوق الفلسطينيين وافلام (السوريون) و(الاب)، (الاعتراف) ومسلسل عن حياة الرئيس عبدالناصر عام 2008 (ناصر) للكاتب الكبير الراحل يسرى الجندى ومن المدهش هنا ان مخرجا سوريا كبيرا ايضا هو (أنور قوادري) اخرج فيلما ايضا عن حياة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1999 قام بكتابته وكتب له الحوار عادل الميهي، وانه بعدها اتجه إلى المسلسلات ومنها مسلسل مهم عن حياة العرب الذين تركوا بلدهم وأقاموا فى بلاد اخرى وهو مسلسل (عن عرب لندن).
بفيلمه (نسيم الروح) بدأت معرفتنا بالمخرج السورى الكبير عبداللطيف عبدالحميد لتتوالى أفلامه الرائعة فى مهرجانات مصر، وفى مهرجان دمشق السينمائى الدولى الذى كان مهرجانا مهما لصناع السينما العرب وللنقاد ايضا، ولنتابع أعمالاً مهمة كتبها وأخرجها مثل (ما يطلبه المستمعون) و(ليالى ابن آوي) و(رسائل شفهية) وغيرها من افلام قدمت الحياة فى سوريا بأسلوب بارع مزج بين الشخصى والعام ببراعة، وقبل هؤلاء رأينا افلام المخرج الرائد محمد ملص بدءاً من (أحلام المدينة) والمخرج عمر أميرالاى وأفلامه الوثائقية ومنها (الحياة اليومية فى قرية سورية).
لعل الكثيرين من المصريين والعرب يعرفون جيدا الدراما السورية التى ازدهرت كثيرا فى حقبة الثمانينات وما بعدها، واصبحت المنافس الاول للدراما المصرية، بل ان الدراما السورية استطاعت التفوق فى تقديم المسلسلات التاريخية لاسباب عديدة منها الانتاج الكبير وأماكن التصوير والثراء الدرامي، وغير الاعمال التاريخية قدمت الدراما السورية اعمالاً اجتماعية ووطنية مهمة مثل مسلسلات: (أهل المدينة) (وعصى الدمع) (ورياح الخماسين )، (وغزلان فى غابة الذئاب)، كما قدمت أهم مسلسل عن القضية الفلسطينية وهو(التغريبة الفلسطينية) الذى قدم عام 2004 رؤية مهمة لما حدث فى فلسطين قبل عام النكبة وقت الاحتلال الإنجليزى تحت اسم الانتداب، وتبدأ احداثه من الثلاثينات من خلال اسرة ريفية فلسطينية فوجئت بمن يهاجمها ويطردها من بيتها حين سهلت انجلترا لليهود الدخول إلى فلسطين وطرد أهلها ليذهبوا إلى المخيمات. وهو ما تتبعه كاتب المسلسل وليد سيف لسنوات طويلة حتى يوثقه فى احداث درامية، ويعرض بعد ستة عشر عاما باخراج حاتم علي، ليحصل عام 2005 على أهم جوائز مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون للكتابة والإخراج والتمثيل للرجال (جمال سليمان) والنساء (چولييت عواد) حيث قالت حيثيات الجائزة انه الى جانب تقديمه القصة الحقيقية لما حدث فى الثلاثينات من القرن الماضى فقد تتبع مصائر المطرودين من الارض وكيف كافح الفلسطينيون للبقاء على قيد الحياة فى ظل الانتداب البريطانى من الثلاثينات، ثم النكبة وقيام دولة اسرائيل إلى النكسة فى الستينيات، ومن المؤكد اننا نحتاج لجزء ثان من المسلسل ليطرح ما حدث ويحدث لأهل غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023، وحتى الآن.