الحياة لا تخلو من متاعب ومنغصات، وهى كفاح وجهاد لمن يملك أهدافًا ويسعى لتحقيقها..أما من لا هدف له، فلا عزم له ولا وزن لحياته.. فالدهر يومان، يوم لك ويوم عليك، يوم تُساء ويوم تُسرّ.. ومن ثم فلن تمضى حياتك على وتيرة واحدة مهما تكن غنيًا أو صاحب منصب أو جاه وسلطان.. ولا عجب والحال هكذا ألا تأمن مكر الليالي؛ فليس فى طبع الليالى الأمان كما قال الخيام.. أما الابتلاء فحقيقة واقعة يؤكدها قول الله تعالي: «ونبلوكم بالخير والشر فتنةٌ» «الأنبياء: 35»، والمراد: أن الله يختبرنا بالمصائب تارة، وبالنعم أخري، لينظر من يشكر ومن يكفر، من يصبر ومن يقنط، كما قال على بن أبى طلحة، عن ابن عباس: « ونبلوكم «، يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال.
والسؤال: إذا ابتلاك الله فى الحياة بالخير أو بالشر.. فماذا تفعل.. ولمن تلجأ وتسند ظهرك..؟!
قد يقول قائل: ألجأ إلى عائلتي، فهم بعد الله السند والملاذ والمأوي.. وهذا صحيح ؛ فلا معنى للحياة بلا عائلة، ولا بركة فيها دون صلة الأرحام.. ولا شيء أهم من الأهل، لا شيء أهم من أن يكونوا بجوارنا، وأن يكونوا بخير، وإذا كانوا بخير فكل شيء بخير.. فهم الظل والجناح والأرض الثابتة، ولا شيء يؤمّن للمرء الحماية كالسياج العائلي، فالترابط العائلى من أهم مقومات الحياة، فالأمان أب، والدفء أم، والسلام أخت، والمدد إخوة.. جيش المرء هو عائلته، وهو من دون عائلة عدم لا امتداد له..كل هذا صحيح لكن السؤال: إذا أصاب المرء خطب أكبر من عائلته فإلام يستند وبمن يستجير..والسؤال بطريقة أخري: لماذا يمرض الإنسان.. والجواب ببساطة لأن خللا ما عطل مناعته..وكيف يتحقق الشفاء؟ يتحقق الشفاء إذا عولج هذا الخلل.. وهذا ما أردته بسؤالى الأول.. فالعائلة سند حقيقى وملاذ آمن للإنسان.. لكن القوة الحقيقية ليست خارج الإنسان بل فى داخله.. تماماً مثل جهاز المناعة، إن كان عفيًا استعصى البدن على الأمراض، وإذا كان عليلاً صار مرتعاً لكل من هب ودب من الفيروسات ومسببات الأمراض.
القوة النفسية هى الملاذ الحقيقى للإنسان، بها يتحدى ظروفه ويتجاوز عقباته..بها ينتصر على أعدائه، ويحقق ما يريد..وجوهر القوة النفسية هى الإرادة، والإرادة هى وقود القوة النفسية.. فابحث عن قوتك فى نفسك، فالله تعالى قد استودعك مقومات قوة لو وضعت يدك عليها لكنت فى حال أفضل، وما شكوت من ضعف أو خذلان.. أما إن كنت ضعيف الإرادة تعرضت للهزيمة، وأولى الهزائم التى تلحقك هى من صنع نفسك، فمن لم يملك زمام نفسه، فلن يفلح فى تملك زمام غيره.. ولهذا جاءت وصية النبى «صلى الله عليه وسلم» لصحابته ولأمته من بعده واضحة: لا تغضب..عن أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعاً: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب».. فالقوة الحقيقية ليست هى قوة العضلات والجسد، وليس الشديد القوى هو الذى يصرع غيره من الأقوياء دائمًا، وإنما القوى الشديد بحق هو الذى جاهد نفسه وسيطر عليها وصانها من الشطط حينما يشتد به الغضب؛ لأن هذا يدل على قوة تمكنه من نفسه وتغلبه على شيطانه.
كم ضاع أناس حين فقدوا سيطرتهم على أنفسهم وقت الغضب، وما جرائم القتل وقضايا الطلاق وتفكك الأسر وانهيار المجتمعات إلا نتاج غضب جامح أفقد صاحبه عقله ورشده فخسر نفسه وأضاع غيره.
فهل أدركت أين يكمن سندك الحقيقي..؟!
يكمن فى قوتك النفسية؛ فقوتك الحقيقية تجعلك قوياً فى نفسك وقوياً بنفسك أمام المصاعب والعوائق، ومتوازنا فى الأزمات، وحكيماً فى المواقف، وعادلاً فى الخصومات.. وبصرف النظر عن أهمية التكنولوجيا الطبية المتقدمة فى تعافى مرضى السرطان؛ وهو أخطر الأمراض وأكثرها شراسة لكن تبقى الإرادة واحدة من أكثر الأسلحة الفعالة فى المعركة ضد السرطان، ويتطلب الأمر قوة إرادة هائلة ليكون المريض شجاعاً بما يكفى لإجراء الفحوصات وكذلك التشخيص وتقبل الأمر الواقع برضا وإيمان وصبر ليعبر الأزمة بسلام.. والأمثلة كثيرة فى الحياة..!!
كم تحدى بعض ذوى الهمة ظروفهم حتى تفوقوا على الأشخاص الطبيعيين وأنجزوا ما لم يستطيعوا إنجازه.. انظروا مثلاً إلى مسيرة نجاح ستيفن هوكينج عالم الفيزياء الشهير قاهر الصعاب الذى تحدى الإعاقة وسابق الزمن وعمل بمقولة «انظروا إلى النجوم وليس أقدامكم».
قصة ستيفن عجيبة جداً؛ ذلك أنه ابتلى فى ريعان شبابه بمرض عصبى مميت لا علاج له؛ حتى أن الأطباء توقعوا ألا يعيش أكثر من عامين.. لكنه كان مفعمًا بمعرفة كيفية عمل الأشياء حيث اطلقوا عليه فى المدرسة لقب أينشتاين، وبالتحدى والإقبال على النجاح استطاع قهر العجز وإبهار الأطباء بمجاهدته حتى تجاوز عمره الـ72 عامًا، ما أتاح له فرصة العطاء فى مجال العلوم وبالتحديد علوم الفيزياء النظرية، وعلى الرغم من أن هذا المرض جعله قعيدًا فإن عقله لم يقف برهة، حيث حصل على الدكتوراه فى علم الكون من جامعة كامبردج، وحصل على درجة الشرف الأولى فى الفيزياء، واستطاع أن يتفوق على أقرانه من علماء الفيزياء وبطريقة مذهلة كان يجرى كل الحسابات فى ذهنه.
أتصور أن نفسك القوية هى سندك الحقيقى بعد الله سبحانه وتعالى فى هذه الحياة ويصح التعويل على قدراتك الذاتية قبل العائلة والأصدقاء والمحبين رغم أهمية العلاقات الداعمة والدافئة والآمنة فى تلك الحياة لنا فى كل وقت.
لا تظنن أن هذه دعوة للاستغناء عن الأسرة أو الأصدقاء أو العلاقات الاجتماعية الناجحة فتلك مظنة واهية ليست من أهداف هذا المقال، ولا هى دعوة للانكفاء على الذات ولا لتمجيد الذات ولا حب الذات، فتلك أنانية مفرطة تفسد حياة الإنسان ولا تبنيها، فالإنسان كائن اجتماعى لا يمكنه العيش بمفرده، يحتاج لغيره تماماً كما يحتاج إليه الآخرون.. يقول الله تعالي: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ – نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا – وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا – وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ «الزخرف:32».
إرادة المرء هى قوة خفية داخلية تجعله يأخذ خطوات واثقة لرسم مسارات حياته، وهى من أفضل النعم التى مَن الله بها على الإنسان. كما إن الإرادة هى عمود النجاح ولا يعرف النجاح من لا إرادة له، ويجهل الإرادة الشخص مُنعدم الضمير الذى لا عقل له ولا عزم ولا هدف.. فإذا عرفت أين تكمن قوتك الحقيقية سندك الأول فى الحياة فلا أقل من البحث عنها وتنميتها روحًا وبدنا، فهى زادك الحقيقى فى رحلة الحياة.. ولا حجة لك فى اتهام الظروف تارة والآخرين تارة أخرى بأنهم عقبة فى طريق نجاحك.. فالطريق إلى النجاح ليس مفروشًا بالورود، كما أن الورد لا يخلو من الأشواك!!