وتبقى الحياة والموت لغزاً.. وكلما ازدادت اعمارنا.. ازداد تفكيرنا فى الموت وايضا الحياة.. ويظل الموت هو الأصعب والأغرب فى كل حياتنا.. ويزداد القلق على الصحة وعلى المال.. وهذا يعنى المزيد من الحرص على الحياة.. والأغرب من ذلك.. ان الموت يسقط دائما من حسابنا.. بالرغم من اننا نحمل الموت بداخلنا.. نعم هذه حقيقة علمية ثابتة يترجمها الدم بكل دقة وإتقان .. ويكفى ان نعلم ان ملايين الكرات الحمراء تولد وتعيش ثم تموت ويولد غيرها ويموت.. يا سبحان الله.. وكأن أجسادنا صندوق متحرك.. يعكس الحياة والموت فى وقت واحد.. بذلك يخرج الموت من الحياة.. ومن العجيب ان رءوسنا تستقبل الموت ببياض شعرنا.. استقبال خفى لا نحسه.. وهنا يقفز السؤال الذى يدق الرءوس بعنف.. وهو السؤال الذى يتجدد عند كل جنازة.. وأمام كل قبر.. هل انا سوف اموت.. هل سوف انتهي.. وما هى الدلالات التى اشعرها بداخلى لكى انتهي.. نفس نهاية كل ميت.. انا.. انا.. كيف انتهى هكذا.. كيف؟ كل هذا التفكير لا يستغرق ثوان.. اى اقل من دقيقة.. وبسرعة يعود كل منا الى طبيعته.. وينسى الموت.. ويمارس حياته كالمعتاد.. ان هذا الموقف الذى نعيشه فى لمح البصر.. عند كل موت لانسان.. هو لغز الحياة وايضا الموت.. لغز حائر.. يبحث عن اجابة.. هذا اللغز يقفز امامنا. عندما نسمع ان فلاناً مات!! مات ازاي؟! ولابد ان نعترف بأن الموت خير.. فإن الله لا يأتى الا بكل ما هو خير.. فالموت يبدو مكملا للحياة.. وهنا نتساءل .. كيف تكون الحياة بدون موت؟! كلنا يعلم جيدا الإجابة.. كلنا يكره الموت.. بالرغم من ان الله يطمنا.. بجنة عرضها السماوات والأرض.. اعدت للمتقين.. وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم.. اقربكم منى مجلسا يوم القيامة احاسنكم اخلاقا.. وهناك موت آخر.. لا يعنى فناء الجسد.. إنما اكثر صعوبة.. انه موت الضمير.. اعنى هنا الظلم.. وعدم القدرة على قول كلمة الحق.. ويجب أن نتذكر دائما أن الله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه.. كما حرمه بين عباده.. وصحيح ان الحياة.. لا تعرف العدل فى معظم الأمور.. فالانسان بطبعه انانى بكامل ارادته.. ومن العجائب ان يصبح لكل منا معيار للعدل .. يختلف عن الآخر.. هذا هو لغز الحياة.. وبذلك تتحكم عواطفنا واهتماماتنا وانانيتنا فى حياتنا.. ما أصعب الاحساس والشعور بداخلنا.. وهو احساس نعيشه.. مع كل موقف.. وكل موقف إضافة جديدة من تجارب الحياة.. وقد نكتشف أنفسنا او نفوس من يتعاملون معنا.. من خلال الشعور العميق بالتدين.. فى لحظة القرب من الله.. وهنا يمكن ان نصل الى معرفة اشياء جديدة فينا.. او فى من حولنا.. ويبقى الإنسان.. شخصية فريدة.. معقدة.. من الصعب اكتشافه بعيدا عن المواقف.. ولكل شخص توليفة معينة.. مختلفة عن الآخر.. وهذا الاختلاف يعتبر سراً من أسرار الحياة .. فالشر والخير.. لا ينفصلان.. مثل الحياة والموت.. كل منهما مكمل للآخر.. يجيب فضيلة الشيخ متولى الشعراوى على السؤال الصعب.. لماذا الحياة؟ بقوله: كل كائن له مهمة يعيش من أجلها.. وتكون له حياة مناسبة لتلك المهمة.. وان ما يقابل الحياة.. كما جاء فى القرآن.. الموت.. الهلاك.. بدليل قول الحق سبحانه: إذ انتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب اسفل منكم ولوتواعدتم لاختلفتم فى الميعاد ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة وان الله لسميع عليم.. «24 – الانفال».. ويقول سبحانه.. كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون.. «٨٨ – القصص».. ولمزيد من التوضيح يقول الحق سبحانه وتعالي: وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين «٥٩ – الانعام».. ويضيف الشيخ الشعراوي: ان النوم نعمة من الله جعلها فى التكوين الذاتي.. ولذلك اذا أردت أن تنام فليس ذلك بمقدورك ولكنه بمقدور الحق.. يقال عن النوم: ضيف ان طلبته تعبك وان طلبك اراحك.. والنوم يأتى للمتعب حتى ولو نام على حصي.. وقد لا يأتى لمن نام على فراش من حرير.. ويقول الشيخ الشعراوى ان الحق سبحانه لا يظلم احدا تصديقا لقوله: من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.. «46 – فصلت».. هذه الآية هى الحياة.. وما اعظم من ان اختم بقول الحق: قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير.. تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت وتخرج الميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب «27 – آل عمران».. هذه الآيات تفك لنا لغز الحياة والموت.. اللهم إنا نسألك قربك.. ورضاك.. ورحمتك.