خلال الأيام القليلة الماضية صدرت بعض التقارير الدولية التى ترصد التطورات السريعة التى تشهدها التجارة العالمية.. وسلط تقرير منظمة التجارة العالمية الضوء على التدهور الحاد فى توقعات التجارة العالمية لعام 2025 بسبب تصاعد الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين فى السياسات التجارية.. مع تحذير من أن هذه التطورات تهدد بنمو سلبى فى تجارة السلع وتباطؤ فى تجارة الخدمات وتفاوت فى التأثير بين المناطق خاصةً على الدول الأقل نموًا مما يعكس اتجاهًا عامًا نحو تراجع الانفتاح التجارى العالمى.
حيث تدهورت توقعات التجارة العالمية مع بداية عام 2025 نتيجة موجة الرسوم الجمركية الجديدة وتصاعد حالة عدم اليقين فى السياسات التجارية، مما أدى إلى تعديل توقعات نمو حجم تجارة السلع من نمو بنسبة 2.7 ٪ إلى نمو بنسبة 2.5 ٪ ما يعنى انكماش بمقدار 0.2 نقطة مئوية.. وتوقعت منظمة التجارة العالمية تعافيًا جزئيــًا فى عــام 2026 مع نمـــو قـــدره 2.5 ٪، إلا أن هذه الأرقام تمثل تراجعًا حادًا مقارنةً بتوقعات بداية العام التى كانت تفترض استمرار النمو بدعم من تحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية.
قد يؤدى فرض الرسوم «المتبادلة» من الولايات المتحدة الأمريكية رغم تعليقها مؤقتًا إلى خفض إضافى فى نمو التجــارة العالميــة بنسبة 0.6 نقطة مئوية، بينما يمكن لتزايد حالة عدم اليقين أن يخفض النمو بنسبة 0.8 نقطة أخرى.. وفى حال تحقق كلا السيناريوهين، سيؤدى ذلك إلى انخفاض بنسبة 1.5 ٪ فى حجم تجارة السلع عالميًا فى عام 2025، مع تبعات سلبية خاصةً على البلدان الأقل نموًا.
وسجلت التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تحولات كبيرة من شأنها إحداث إعادة توجيه للتدفقات التجارية عالميًّا، فقد يؤدى انخفاض واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الصين فى مجالات مثل المنسوجات والمعدات الكهربائية إلى فتح فرص تصديرية جديدة لدول أخرى، لاسيما الدول الأقل نموًا التى تمتلك هياكل تصدير مماثلة للصين. بالمقابل يُتوقع أن ترتفع صادرات الصين إلى بقية العالم بنسبة تتراوح بين 4 ٪ و9 ٪.
رغم أن التجارة فى الخدمات ليست خاضعة مباشرةً للرسوم الجمركية، فإنها تتأثر بشكل غير مباشر من خلال انخفاض الطلب على الخدمات المرتبطة بالبضائع، كالنقل واللوجستيات، إضافة إلى تراجع الإنفاق على السفر والخدمات المرتبطة بالاستثمار.. ونتيجة لذلك، تم تعديل توقعات نمو التجارة فى الخدمات التجارية إلى 4.0 ٪ فى عام 2025 و4.1 ٪ فى عام 2026، مقابل التقديرات السابقة التى بلغت 5.1٪ لعام 2025 و4.8٪ لعام 2026.
من المتوقع أن يؤدى ارتفاع الرسوم الجمركية إلى تأثيرات متفاوتة إقليميًّا، حيث يتوقع أن تُسهم أمريكا الشمالية سلبًا فى نمو تجارة السلع فى عام 2025 بنحو -1.7 نقطة مئوية وتبقى مساهمات آسيا وأوروبا إيجابية لكنها أقل من السيناريو الأساسى.. أما باقى المناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية فحافظت على مساهمات إيجابية طفيفة نتيجة استمرار الطلب على منتجات الطاقة.
مازالت التوترات الجيوسياسية وارتفاع الحواجز التجارية تشكل عائقًا أمام استمرار زخم التجارة العالمية..ورغم وجود عوامل إيجابية مثل انخفاض التضخم وزيادة الدخل الحقيقى، فإن هذه المكاسب يمكن أن تتلاشى بسبب ارتفاع القيود التجارية.. وتشير النماذج الاقتصادية إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤدى إلى ارتفاع الأسعار المحلية وانخفاض القدرة التنافسية وتغيرات فى ميزان التجارة الخارجى والقطاعات المتأثرة بشكل متفاوت.