رغم الحرب الاسرائيلية الدامية على غزة منذ عشرين شهرا «منذ أكتوبر2023» ثمة سبب خفى وبُعد غائب عن أغلب التحليلات الرائجة وبرامج الفضائيات العربية ولعله فى تقديرنا هو السبب الأبرز إن لم يكن الأوحد- لهذه الحرب غير المتماثلة والتى لايمكن لها إلا أن تسمى بالمذبحة والهلوكوست الصهيونى الجديد فى غزة …هذا البُعد هو (البُعد الديمغرافى فى فلسطين) وهو زيادة عدد السكان الفلسطينين – أصحاب الارض الحقيقيين – وتفوقهم على عدد (اليهود الصهاينة) الدخلاء على هذه الأرض وذاك التاريخ ! وتلك معضلة كبرى لا يستطيع الصهاينة حلها إلا بالابادة والمذابح والتطهبر العرقى والأهم : التهجير خارج فلسطين فى سيناء أو الاردن ..ذلك هو البُعد الحقيقى الأبرز والغائب فى حرب الابادة الراهنة ! فماذا عنه تاريخيا؟
يؤكد المراقبون ان إسرائيل تعيش هذه الايام حالة من الهلع بسبب تنامى الزيادة السكانية الفلسطينية فقبل قدوم نتنياهو بعدة شهور،أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إيهود أولمرت بأن ثمة خطراً كبيراً على وجود إسرائيل إذا ما ظلت دولة واحدة لشعبين: يهودى وفلسطيني، حيث سيؤدى ذلك فى سنوات قليلة إلى خطر داهم على الهوية اليهودية للدولة، وإلى ذوبان الوجود اليهودى وسط أغلبية سكانية عربية، وأن الحل وفقاً له هو الفصل الكامل بين (اليهود) والفلسطينيين،مع إبادة الفلسطينيين إن أمكن !وأنه ليس لديه تصور متكامل ودائم فى هذا الصدد مضيفاً ومكرراً تحذيره أنه (إذا تعاملت إسرائيل مع حقيقة دولة واحدة لشعبين فإن هذا سيعجل بنهاية إسرائيل كدولة يهودية وهو ما يعد خطراً لا يمكن لأحد أن ينكر وجوده ومدى واقعيته!!).
> هذه المخاوف التى أطلقها رئيس وزراء الكيان الصهيوني،السابق تلقفه خلفه (نتنياهو) ومعه المتطرفون الصهاينة، وبدأوا سياسات عنصرية جديدة وهم يعبرون بمخاوفهم تلك فى الواقع عن حقائق على الأرض، تزداد وضوحاً يوماً إثر يوم، وهى تتصل بالأساس بالزيادة السكانية المطردة للفلسطينيين أو ما أسماه خبراء الإستراتيجيات فى الكيان الصهيونى بـ (القنبلة الديمجرافية الفلسطينية)، والتى ستصل فى السنوات العشرين القادمة إلى ضعف عدد الإسرائيليين المتواجدين بفلسطين نظراً للتوالد الفلسطينى المتنامى فى مقابل العقم الإسرائيلى المستمر الأمر الذى سيؤدى إذا ما مارست الإدارة الإسرائيلية الحاكمة الديمقراطية الانتخابية (الصحيحة) أن يتولى العرب الفلسطينيون حكم الكيان كله، وهو الأمر الذى أزعج كثيراً قادة هذا الكيان فبدأوا ومنذ فترة فى التحذير ثم حرب الإبادة والتهجير القائمة حاليا !
>>>>
وتاريخيا.. لعل من أبرز المحاولات التى تمت فى هذا السياق ما اصطلح على تسميته بوثيقة سوفير و المعنونة بـ (إسرائيل ديموجرافيا: 2000- 2020 مخاطر واحتمالات) والتى انتهت بعد دراسة موسعة وموثقة نشرت عام 2000 إلى أن 42٪ فقط من اليهود، مقابل 58٪ من العرب، سيعيشون فى المنطقة الواقعة بين الأردن والبحر فى سنة 2020، من مجموع 15.2 مليون نسمة، لذلك استنتج محذرًا أنه من دون الفصل، سيختفى الكيان الصهيونى عن الخريطة خلال سنوات؟!
وواضع هذه الوثيقة هو أرنون سوفير أستاذ الجغرافيا فى جامعة حيفا وبموجب «هآرتس»، فقد اقتنع رئيس اللجنة عضو الكنيست دان مريدور بأنّ المعطيات الديموجرافية تلزم إسرائيل بالانفصال عن المناطق، وسريعًا، وقيل وقتها إن شارون آمن بهذه النتائج ومعه وزير الدفاع آنئذٍ بنيامين بن اليعازر، وأنه يحتفظ بهذه الدراسة فى مكتبه بالوزارة بهدف العمل على تطبيقها، بل إن أعضاء «مجلس الأمن القومي» برئاسة الجنرال عوزى ديان، اصطحبوا سوفير بعد أسابيع من نشر الدراسة فى جولة إلى مناطق «خط التماس» فى منطقة المثلث ووادى عارة، «ليروا عن قرب كيف شُطبت الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية، وكيف أن الفلسطينيين من المناطق يزحفون نحو إسرائيل، وأنّ البناء غير القانونى يغمر المنطقة» وفقاً لصحيفة هآرتس الصهيونية!! الأمر الذى مهد لاحقا (عام 2023) باستغلال ورقة طوفان الأقصى للابادة الشاملة للشعب الفلسطينى !
> وتاريخيا أيضا وعبر هذه البوابة-التهديد الديموجرافى الفلسطيني- دخل عضو الكنيست حاييم رامون، المبادر إلى تأسيس «الحركة من أجل الفصل أحاديّ الجانب»، الذى توصل إلى أن سوفير متفائل بالقياس بالباحث الإسرائيلى فى الديموغرافيا، البروفيسور سرجيو دى لا فرغولا، الذى يتوقع أغلبية عربية فى البلاد فى مرحلة مبكرة
وصار على درب هؤلاء عشرات السياسيين والكتاب الصهاينة وجاء وعد بوش الشهير عام 2005 حول (يهودية إسرائيل) واليوم (2025) وعد ترامب بتكبير دولة إسرائيل لانها (صغيرة جدا وفقا لاوهامه !) ليؤكد ويحسم الخيار الإسرائيلى بالفصل العنصرى عن العرب الفلسطينيين والذى أكده على الأرض بناء الجدار العازل الذى قارب على الانتهاء.ثم بحرب الابادة الدائرة فى غزة والضفة !
>>>>
أمام هذه الحقائق التى تكشف كم ونوع المساعدات الأمريكية لإسرائيل والتى تتزايد يومياً حتى فى عهد ترامب بما فيها القنابل المحرمة دوليا، هل يمكن أن نأمل خيراً فى ضغوط أمريكية على تل أبيب كى تحاول أن تُهدى أوهاما.. للمعتدلين العرب وأولئك الذين يجرون مفاوضات معها «أمريكا-على دم شهداء فلسطين ولبنان واستثمارا لهذه الدماء التى «للاسف» ذهبت فى هذه الحرب هباء! وإذا أضفنا إلى ذلك الهلع الصهيونى من القنبلة الديمجرافية الفلسطينية الأمر الذى دفعهم لمزيد من القهر والعدوان والعنصرية الدامية تجاه الفلسطينيين، والى قتل ما يقترب من 100 ألف منهم وتهجير وإصابة 520 ألفاً فى غزة وتدمير 90٪ من البنية التحتية.. ترى هل نأمل أن يتجه هذا الكيان إلى أى حل عادل للصراع إلا إذا خضع لعامل ضغط آخر حقيقى وواقعى وهو ما تناساه العرب والعجم واسمه «المقاومة» بمعناها الشامل السياسى والاقتصادى وليس العسكرى فحسب تساؤل عل المستقبل يجيب عليه!