«البيريسترويكا» وتعنى «إعادة الهيكلة» وهى برنامج للإصلاحات السياسية والاقتصادية أطلقه آخر رئيس للاتحاد السوفيتى ميخائيل جورباتشوف وتشير هذه الخطة إلى إعادة بناء شامل للدولة بكل مكوناتها وكان الاتحاد السوفيتى حينئذ يمر بفترات شديدة الصعوبة مع صعود مخطط للقوميات داخل جمهورياته المتعددة، صاحبت البيريسترويكا سياسة «غلاسنوست « والتى تعنى الشفافية. كانت تلك السياسات بمثابة ثورة على المألوف وضرب مباشر فى أعمدة وثوابت الفكر الشيوعى ، كان جورباتشوف جريئا إلى أقصى مما يتوقعه احد، حتى اعداؤه من الغرب لم يكن ضمن اجندة أحلامهم الوصول إلى ما أوصلهم اليه جورباتشوف نفسه ودون مقابل، كانت الخطة المعروفة باسم «البيريسترويكا» تستند على مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ووقف الاعتقال وإغلاق المعتقلات وإطلاق سراح السياسيين ومنح الناس حرية الرأى والتعبير، وكان الاقتصاد هو المجال الذى يحتاج إلى آراء جديدة، ففتح الباب امام نظريات الفكر الرأسمالى واغلقت الأبواب والنوافذ امام الفكر الشيوعي، أما على صعيد السياسة الخارجية فقد استهدف جورباتشوف تحسين صورة بلاده امام العالم خاصة الدول الغربية، فبدأ باتخاذ قرارات الحد من التسلح والتخلص من الصواريخ النووية متوسطة المدي، بالإضافة إلى تخفيض أعداد القوات والأسلحة التقليدية فى اوروبا، وتوجت هذه السياسة فى السابع من ديسمبر 1988 بإعلان جورباتشوف امام الأمم المتحدة انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعى والرأسمالى تماما، وقام بعدها بسحب قواته من افغانستان، لكن انفجار مفاعل تشيرنوبيل والخلل الاقتصادى الشديد وتنامى المطالبات القومية بالانفصال كانت جميعها أقوى من خطط الإصلاح الرومانسية، وفى 25 ديسمبر1991، كانت النهاية، حيث أعلن رسميا انتهاء الاتحاد السوفيتي، والاعتراف باستقلال الجمهوريات التى كانت منضوية تحت رايته، وبدأت حقبة تاريخية جديدة فى المنطقة والعالم، وما دفعنى لاستدعاء هذه المقاطع التاريخية المهمة والفاصلة هو شعورى ان العالم يعيش حالة مماثلة إلى حد كبير، فما يجرى فى الولايات المتحدة على الصعيد الداخلى اقتصاديا والخارجى سياسيا يماثل فى تقديرى «البيريسترويكا « لكن على الطريقة الأمريكية الترامبية، تعديلات النظام الإدارى وفق خطة إيلون ماسك، تخفيض أعداد الموظفين الفيدراليين وكذلك المنتسبون للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وفرض ضرائب جمركية على الأصدقاء والأعداء فى نفس الوقت وبنفس القسوة، طلبات بضم دول مثل كندا وأجزاء من الدانمارك وشراء ساحل غزة، محاولة تقليص دور امريكا فى العالم ثم الاستدارة نحو فكرة ادارة العالم بفكر إمبريالى خشن ثم يتحول إلى ناعم ويعود مجددا إلى الدبلوماسية المدببة، حالة من عدم الاستقرار التى تقود اى متابع إلى محطة اللايقين، عموما بيد اننا امام نوع جديد من البيريسترويكا لكنها هذة المرة ..أمريكية، فهل تفضى المحاولة الحالية إلى ما افضت اليه المحاولة الجورباتشوفية التى قصمت ظهر الاتحاد السوفيتى .. دعونا نري.