منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة والإسراف فى استخدام القوة وارتكاب جرائم الإبادة والتدمير، أدركت مصر وحذرت من خطة صهيونية بتحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة، ولم يكن الهدف الإسرائيلى المعلن فى القضاء على حماس، أو حتى الإفراج عن الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية فلم تبال بذلك على الإطلاق بل قتلهم قصفاً همجياً وحشياً، وضعتهم بشكل مباشر من المسافة صفر لأن الهدف هو إخلاء غزة والسيطرة عليها وإشباع غريزة مريضة فى سرقة الأرض والأوطان من أصحابها.
مصر سبقت الجميع فى كشف نوايا وأبعاد ما يدور فى قطاع غزة، وحذرت منه، ورفضت التهجير جملة وتفصيلاً، وأنه قضية أمن قومى تمثل «خطاً أحمر» بالنسبة لمصر، أدركت أن التدمير الممنهج لكل مقومات الحياة فى غزة، والإبادة والقتل العشوائى، وغطرسة القوة والتدمير، سواء بقصف المنازل والبيوت والمخيمات السكنية وتدميرها وقتل كل من فيها، وأيضاً تدمير المستشفيات والمدارس والجامعات، والمؤسسات الحكومية، ومحطات الكهرباء والمياه، حتى المناطق التى طالبوا الفلسطينيين المدنيين باللجوء والذهاب إليها فى معسكرات بالمدارس أو خيام، استهدفوها بالقصف الجوى والمدفعى والصاروخى، ولم يكن غريباً أيضاً فرض حصار محكم وخانق ومنع المساعدات والغذاء والدواء عن الفلسطينيين لإجبارهم على النزوح وترك أراضيهم وبيوتهم، وهو الأمر الذى قابله الفلسطينيون بالإصرار والإرادة والتمسك بالأرض وفشلت كل جرائم الاحتلال فى تحقيق هذا الهدف ، لم تكن حرب الإبادة، وهى جريمة حرب، ضد الإنسانية صدفة، ولكنها جاءت لمزيد من إرهاب وتخويف وترويع الفلسطينيين، حتى يغادروا أراضيهم، ولم يكن قتل أكثر من 48 ألف فلسطينى معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 110 آلاف مصاب وجريح أو المفقودين تحت الأنقاض إلا حلقة فى مخطط الشيطان وكان ومازال الهدف الاستيلاء على غزة بدون فلسطينيين، وبالتالى تبطل فكرة ومبدأ حل الدولتين لأنه إذا كانت الأرض موجودة، فلا شعب هنا، وحتى تشبع إسرائيل وأمريكا شهواتهما الحرام فى التوسع، وسلب مقدرات وأراضى وحقوق الشعوب المشروعة، فهم يتغذون على الحرام.
تحذير مصر الاستباقى من تحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، ولا توجد فيه أى مقومات للعيش، هو فهم مسبق وإلمام بنوايا إسرائيل ورعاتها الشيطانية، لمحاولة تهجير والخلاص من الفلسطينيين لتنفيذ الأوهام الصهيوأمريكية وتحقيق مصالح التحالف الشيطانى، وكسب جولة مهمة فى الصراع بين النظامين العالمى القديم والقائم والجديد المتطلع للظهور، وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة سواء إلى سيناء أو أى منطقة أخرى هو إضرار بالمصالح والأمن القومى المصرى وأيضاً لا يتسق مع شرف الدولة المصرية، والتى تعتبر هذا الرفض أمراً أخلاقياً وأن قبول التهجير هو خيانة لكفاح ونضال وتضحيات وشهداء ودماء الشعب الفلسطينى، وأن السماح بأن تكون سيناء هى الوطن البديل أيضاً خيانة لدماء شهداء مصر الأبرار الذين قدموا أرواحهم حتى تنعم مصر بالكرامة، وتعود سيناء إلى حضن الوطن تارة وطاهرة ومتوضئة من دنس الإرهاب تارة أخرى، ومصر دولة عظيمة وشريفة فى زمن عز فيه الشرف، ولا يمكن أن تقبل بالتهجير واعتبرته ماساً بأمنها القومى الذى لا تهاون فيه ولا تفريط، ولن يحدث مهما كانت النتائج والتداعيات والثمن.
مصر كانت ومازالت على علم ودراية وإلمام بتفاصيل المخطط مهما جملوه بذرائع وأغلفة وعبوات إنسانية وتنموية لكن يبقى الهدف الأساسى هو طرد الفلسطينيين من أرضهم وإخلاء قطاع غزة من سكانه وأصحابه، وأهله لذلك تصدت مصر، وحذرت، أن ما يجرى من عدوان بربرى ووحشى، وتدمير كل مقومات الحياة فى غزة هدفه تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة وبالتالى وصلنا إلى الغرض المباشر للمخطط على حساب مصر والأردن وبنفس المبررات التى حذرت منها مصر خاصة أن تحالف الشيطان يرفع عنواناً أن القطاع الآن غير صالح للحياة، والسؤال المهم، لماذا لا تعاقب إسرائيل على جرائم الإبادة والتدمير، وتتحمل فاتورة إعادة الإعمار مع بقاء الفلسطينيين، ولماذا لا يتحمل شركاء ورعاة وداعمو إسرائيل الثمن والتكلفة فهم شركاء فى التدمير سواء بشكل مباشر بالمشاركة بالقوات، أو غير مباشر بإمداد جيش الاحتلال بالأسلحة والذخائر المدمرة التى حصدت أرواح الفلسطينيين، وقطعت أجسادهم ودمرت منازلهم، ومستشفياتهم ومدارسهم، كيف يعاقب الضحية بالطرد ويكافأ المجرم بالاستيلاء على الأرض، أليست هذه شريعة الغاب، أليس هذا لسقوط النظام العالمى المزعوم، خاصة بعد أن أصدرت أمريكا عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وأيضاً عقاب الأمم المتحدة، والانسحاب من مجلس حقوق الإنسان التابع لها ووكالة اللاجئين «الأونروا» ألا يوجد قانون فى العالم يحترم، هل انتزعت الإنسانية ومات ضمير هذا العالم.
مصر قادت أكبر حملة إنسانية ودبلوماسية، عالمية لإحباط المخطط الشيطانى فى طرد شعب من على أرضه لتنفيذ التهجير، أصرت على دخول المساعدات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين، وتبنت مواقف فيها الشموخ عندما رفضت خروج أى أجانب من معبر رفح قبل دخول المساعدات، وخروج الجرحى والمصابين الفلسطينيين للعلاج وقد كان، وتحملت فاتورة المساهمة بأكثر من 70٪ من حجم المساعدات الدولية لقطاع غزة بالإضافة إلى علاج الجرحى، والمصابين فى المستشفيات المصرية، وبذل جهود مكثفة متواصلة على مسارين الأول توحيد الصف الفلسطينى، ونبذ الانقسام والأمر الثانى، هو وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن والمحتجزين من الجانبين، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بالحجم الذى يتناسب مع حجم الكارثة والمعاناة الإنسانية فى القطاع، لدعم صمود الشعب الفلسطينى والتخفيف عنه.
موقف مصر، وإدارتها، للأحداث ونجاحاتها وانجازاتها، وتمسكها بمبادئها وثوابتها خطوطها الحمراء، وكشفها لأهداف العدوان الإسرائيلى.
تصدت مصر مبكراً للمخطط الصهيوامريكى، وحذرت من تحويل غزة إلى مكان غير صالح للحياة، بل أعلنت ذلك بعد أيام من اندلاع العدوان الإسرائيلى الهمجى على القطاع لذلك مصر، جهزت إمكاناتها وقدراتها وأفكارها ودبلوماسيتها، وردعها للمواجهة، قادت حملة دبلوماسية لكشف أبعاد المخطط، وكشفت عن قوتها وقدراتها أمام محاولات المساس بأمنها القومى، والآن تتبنى رؤية واضحة وبإرادة صلبة لا لتهجير الفلسطينيين، والتأكيد على إقامة دولتهم المستقلة على حدود ٤ يونيو 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وإعادة إعمار قطاع غزة دون أى حاجة لتهجير الفلسطينيين، وتنفيذ إعادة الإعمار مع بقاء الفلسطينيين فى أراضيهم، وعدم مغادرتهم لها تحت أى سبب من الأسباب، وهذه هى عظمة مصر وإرادتها، وبصيرتها، وحكمة قيادتها وقوة مؤسساتها، واصطفاف شعبها.
تحيا مصر