مازال الحديث مستمراً حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع وأتحدث اليوم عن اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بعملية التصنيع داخل البلاد منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن.
يُعد الاهتمام بالتصنيع فى مصر خلال العشر سنوات الماضية محورًا أساسيًا فى رؤية الدولة للتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، مدفوعًا بإدراك عميق لأهميته فى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وخلق فرص عمل، وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى على الساحة العالمية. لم يكن هذا الاهتمام مجرد شعارات، بل ترجم إلى خطوات وإجراءات ملموسة، تهدف إلى إعادة توجيه بوصلة الاقتصاد المصرى نحو الإنتاج والابتكار، بعد عقود من الاعتماد المفرط على قطاعات أخري. لقد تبلور هذا التوجه بوضوح فى إطلاق مبادرات وبرامج طموحة، على رأسها «رؤية مصر 2030» التى أولت قطاع الصناعة أولوية قصوي، وحددت أهدافًا واضحة لزيادة مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالي، وتنويع الهيكل الصناعي، وتعميق التصنيع المحلي. من أبرز ملامح هذا الاهتمام هو التركيز على توفير بنية تحتية صناعية متطورة، تمثلت فى إنشاء وتطوير العديد من المدن الصناعية الجديدة والمناطق اللوجستية المتخصصة، مثل مدينة الروبيكى للجلود، ومدينة الأثاث بدمياط، ومدينة الدواء، ومدن ومناطق صناعية ضمن نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس «مثل السخنة وشرق بورسعيد»، والتى صُممت لتكون حاضنات للصناعات المختلفة، وتوفر بيئة جاذبة للاستثمار المحلى والأجنبي. لم يقتصر الأمر على البنية التحتية المادية، بل امتد ليشمل توفير بيئة تشريعية محفزة، من خلال إصدار قوانين ولوائح تهدف إلى تبسيط إجراءات تأسيس الشركات الصناعية، وتقليل المعوقات البيروقراطية، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية للمستثمرين فى هذا القطاع الحيوي. وقد انعكست هذه الجهود فى مؤشرات إيجابية، حيث شهدت الصادرات المصرية نموًا ملحوظًا، وارتفع الناتج الصناعى بشكل كبير، مما يؤكد فعالية السياسات المتبعة. كما أولت الدولة اهتمامًا خاصًا بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها قاطرة للتنمية الصناعية، وذلك من خلال إطلاق مبادرات لتمويلها وتدريب رواد الأعمال، وتقديم الدعم الفنى اللازم لهم، إيمانًا بقدرتها على توليد فرص عمل كبيرة، والمساهمة فى سلاسل القيمة المضافة، بالإضافة إلى إطلاق المشروع القومى للمجمعات الصناعية المتخصصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
على صعيد آخر، برز اهتمام الدولة المصرية بتوطين الصناعات الاستراتيجية، وتقليل فاتورة الاستيراد، وهو ما انعكس على توجيه الاستثمارات نحو صناعات ذات قيمة مضافة عالية، مثل صناعة الأدوية، والصناعات الهندسية، والإلكترونيات، والسيارات، والصناعات الغذائية. وقد تم دعم هذه التوجهات من خلال إبرام شراكات دولية، ونقل التكنولوجيا، وتشجيع البحث والتطوير، بهدف بناء قاعدة صناعية قوية قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي، والمنافسة فى الأسواق الإقليمية والدولية. كما تجلى الاهتمام بالتصنيع فى تبنى سياسات لدعم الصادرات الصناعية، من خلال تقديم حوافز للمصدرين، وتوسيع نطاق المعارض الدولية المتخصصة، وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية، وهو ما ساهم فى زيادة حجم الصادرات غير البترولية وتحسين الميزان التجاري. لم يغفل هذا التوجه من الرئيس أهمية تنمية رأس المال البشرى المؤهل لخدمة القطاع الصناعي، حيث تم التركيز على تطوير التعليم الفنى والتدريب المهني، وربطه باحتياجات سوق العمل، لضمان توافر الكفاءات المدربة القادرة على التعامل مع أحدث التقنيات الصناعية. ونتيجة لهذه الجهود، شهدت مصر خلال العشر سنوات الماضية طفرة فى مجال التصنيع، تجسدت فى زيادة عدد المصانع المنتجة، وارتفاع معدلات النمو الصناعي، وتنوع المنتجات المصرية، مما عزز من ثقة المستثمرين فى هذا القطاع الواعد. إن استمرار هذا الاهتمام، وتكثيف الجهود المبذولة، سيسهم بلا شك فى تحقيق قفزات نوعية فى مسيرة التصنيع المصري، وصولاً إلى تحقيق أهداف التنمية الشاملة، ووضع مصر فى مصاف الدول الصناعية الكبري.
وللحديث بقية