مازال الحديث مستمرا حول الإستراتيجية الوطنية للتصنيع، وأتحدث اليوم عن دعم الدولة للمصانع المتوقفة والمعطلة وإعادة تشغيلها مرة أخري.. تقوم الحكومة منذ تولى الفريق كامل الوزير حقيبة الصناعة بجهود متواصلة لتشغيل المصانع المتوقفة والمعطلة.
ولطالما شكل القطاع الصناعى فى مصر ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، ومصدراً هاماً لفرص العمل، وعاملاً محفزاً للتنمية الشاملة.. وعلى مر العقود، شهدت مصر تأسيس العديد من المصانع فى مختلف القطاعات، وساهمت بشكل كبير فى تلبية احتياجات السوق المحلية وتصدير الفائض إلى الخارج إلا إنه، ومع مرور الوقت وتقلبات الظروف الاقتصادية، واجه عدد من هذه المصانع تحديات جمة أدت إلى توقفها أو تعطل طاقتها الإنتاجية بشكل جزئى أو كلي.. وإدراكاً للدور الحيوى الذى يمكن أن تلعبه هذه المصانع فى تعزيز النمو الاقتصادى وتوفير فرص العمل، أولت الحكومة المصرية اهتماماً خاصاً بملف تشغيل المصانع المتوقفة والمعطلة، وتبنت العديد من المبادرات والبرامج التى تهدف إلى إعادة إحيائها ودمجها مجدداً فى عجلة الإنتاج.
إن أهمية إعادة تشغيل هذه المصانع تنبع من عدة جوانب إستراتيجية واقتصادية واجتماعية. على الصعيد الاقتصادي، يمثل استغلال الأصول الصناعية القائمة خياراً أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة مقارنة بإنشاء مصانع جديدة. فالبنية التحتية غالباً ما تكون موجودة، والتراخيص قد تكون سارية أو يمكن تجديدها بسهولة أكبر، مما يوفر الوقت والجهد والموارد. بالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تشغيل هذه المصانع يساهم بشكل مباشر فى زيادة الناتج المحلى الإجمالي، وتعزيز الصادرات، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالى تحسين الميزان التجارى للدولة وتوفير العملة الصعبة. كما أن هذه المصانع غالباً ما تكون لديها خبرات متراكمة وقاعدة من الموردين والعملاء يمكن الاستفادة منها فى تسريع وتيرة الإنتاج والتسويق.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن إعادة تشغيل المصانع المتوقفة يعنى توفير الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خاصة فى المناطق التى تقع فيها هذه المصانع والتى قد تكون تعانى من ارتفاع معدلات البطالة. هذا بدوره يساهم فى تحسين مستويات المعيشة، وتقليل الفقر، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. كما أن عودة هذه المصانع إلى العمل يمكن أن ينعكس إيجاباً على المجتمعات المحلية المحيطة بها من خلال تحفيز الأنشطة التجارية والخدمية المرتبطة بها.
وفى السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة المصرية خطوات جادة نحو معالجة ملف المصانع المتوقفة والمعطلة.. وتم تشكيل لجان وفرق عمل متخصصة لدراسة أوضاع هذه المصانع وتحديد الأسباب الرئيسية وراء توقفها أو تعثرها.. شملت هذه الدراسات تحليلاً شاملاً للجوانب المالية والإدارية والفنية والتسويقية لكل مصنع على حدة، بهدف وضع خطط عمل واقعية لإعادة تأهيله وتشغيله.. كما تم إجراء حصر شامل لهذه المصانع وتصنيفها وفقاً لحالتها وإمكانية إعادة تشغيلها.
وقد تنوعت الآليات التى تم اتباعها لإعادة تشغيل هذه المصانع.. تضمنت هذه الآليات تقديم تسهيلات ائتمانية وقروض ميسرة للمصانع المتعثرة لمساعدتها على تجاوز الصعوبات المالية وتحديث خطوط الإنتاج. كما تم تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات فى الإجراءات والتراخيص لتشجيع المستثمرين على الاستحواذ على هذه المصانع وإعادة هيكلتها وتطويرها بالإضافة إلى ذلك، عملت الحكومة على حل المشكلات المتعلقة بتوفير الطاقة والمياه والبنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه المصانع بكفاءة.
كما لعب القطاع المصرفى المصرى دوراً هاماً فى دعم جهود إعادة تشغيل المصانع المتوقفة من خلال توفير التمويل اللازم وتقديم الاستشارات المالية والفنية. وشهدت الفترة الأخيرة مبادرات تعاون بين البنوك والجهات الحكومية لتقديم حلول تمويلية مبتكرة تتناسب مع احتياجات هذه المصانع. وأولت الحكومة اهتماماً بتطوير البيئة الاستثمارية بشكل عام، وتحسين مناخ الأعمال، وتذليل العقبات أمام المستثمرين، الأمر الذى انعكس إيجاباً على قدرة المصانع المتوقفة على جذب رؤوس الأموال والشراكات الاستراتيجية. كما تم التركيز على تطوير البنية التحتية الصناعية، وإنشاء مناطق صناعية جديدة مجهزة بأحدث المرافق والخدمات، مما يوفر بيئة جاذبة للاستثمار الصناعى بشكل عام ويساهم فى استيعاب المصانع التى يتم إعادة تأهيلها.
علاوة على ذلك، سعت الحكومة إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى جهود إعادة تشغيل المصانع المتوقفة. وتم طرح بعض هذه المصانع للشراكة مع مستثمرين من القطاع الخاص الذين يمتلكون الخبرة والقدرة المالية والتسويقية اللازمة لتطويرها وتشغيلها بكفاءة. وقد أثمرت هذه الشراكات عن تحقيق نتائج إيجابية فى بعض الحالات، حيث تمكنت هذه المصانع من استعادة طاقتها الإنتاجية والمساهمة فى الاقتصاد الوطني.
ومع ذلك لا يزال ملف المصانع المتوقفة والمعطلة يواجه بعض التحديات التى تتطلب المزيد من الجهود والحلول المبتكرة. من بين هذه التحديات قدم بعض خطوط الإنتاج وتقادم التكنولوجيا فى بعض المصانع، والحاجة إلى استثمارات كبيرة لتحديثها وتطويرها. كما أن بعض هذه المصانع قد تكون مثقلة بالديون أو تواجه مشكلات قانونية معقدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات فى ظروف السوق والمنافسة المتزايدة قد تجعل إعادة تشغيل بعض المصانع أمراً صعباً أو غير مجد اقتصادياً فى بعض الحالات.
للتغلب على هذه التحديات، يتطلب الأمر استمرار الجهود الحكومية وتكثيف التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، بما فى ذلك الوزارات والجهات الرقابية والبنوك وجمعيات رجال الأعمال والمستثمرين.. كما يتطلب الأمر تبنى رؤية إستراتيجية شاملة لتطوير القطاع الصناعى فى مصر، ترتكز على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية فى الأسواق العالمية.
وللحديث بقية.