يتكرر هذه الأيام الحديث عن شهر رمضان المعظم على أنه من الأشهر الحرم، بل أن مثل هذا الكلام يأتى فى مقالات تنشر فى الصحف وحوارات فى الفضائيات من شخصيات مشهورة.
الحقيقة أن شهر رمضان على ما فيه من الخير، وعلى ما منّ الله به على أيامه من بركة وتكريم، ففيه ليلة القدر ونزل فيه القرآن إلى آخر المكارم الخاصة به إلا أنه ليس من الأشهر الحرم، والتى هى: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر، وهو ما جاء فى خطبة رسول الله «»صلى الله عليه وسلم»«، فى حجة الوداع ويطيب للبعض أن يسمى الخطبة خطبة الوداع: إن الزمان استدار كهيئته يوم أن خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان».
أما قول رسول الله «صلى الله عليه وسلم» «ورجب مضرالذى بين جمادى وشعبان « لأن قبيلة ربيعة كانت تحرم شهر رمضان ويسمونه رجبا وكانت «مضر» تحرم رجب الحقيقى لذلك حرص الرسول على تحديد الشهر المقصود بعلاماته وحدوده فقال ذلك.. وقد ذهب المفسرون إلى أن الآثام فى هذا الأشهر الحرم يتضاعف حسابها مثلما تتضاعف حسنات الصالحات قياسا على من أحسن فى البلد الحرام أو أساء فإنه تتضاعف حسناته أو سيئاته يقول تعالى عمن يسىء ويذنب فى البلد الحرام: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم « الحج الآية 25.
كما رأى بعض الفقهاء تغليظ الديات فى جرائم القتل لأن الجريمة تتم فى زمن به رخصة الأمن للجميع: مجرم أومحسن.
بالتالى فإن القاتل يرتكب جريمتين جريمة القتل وجريمة خيانة الاتفاق العام وذلك قبل الإسلام أما بعد الإسلام فإنه يرتكب خروجاً على تحذير خاص من الله سبحانه وتعالى أى يخرق حرمة الشهر كذلك من قتل مُحْرِمًا يكون قد ارتكب جريمتين جريمة القتل واعتداء على ضيف الله سبحانه وتعالى كذلك من اعتدى على آمن بالحرم بل على طير من طيور الحرم فقد اعتدى فى مكان لا يجوز لأحد أن يشعر فيه بخوف أو ترويع.
حرمة الأشهر الحرم قديمة من قبل الإسلام وقد استقر العرب على حرمتها وقد تكون حرمتها من أيام أبيهم إبراهيم عليه السلام لكى يتيسر للقبائل الحج والتجارة وقضاء المصالح التى تمنعهم الثارات من قضائها.. فما أحوج عالمنا المعاصر إلى مثل هذه الفضيلة التى تتوقف فيها الحروب وتأمن فيها الدول ويكون للصلح موضعًا. ويدرك فيه المحاربون نعمة الأمن.