التداعيات الناتجة عن الحرب الإيرانية- الإسرائيلية ومن قبلها عدوان الكيان الصهيونى على قطاع غزة المحتل لأكثر من عام ونصف لا شك أنها أمور تجعل مستقبل الاقتصاد العالمى فى حالة من الضبابية وعدم اليقين، وتضع الاقتصاد المصرى أمام مفترق طرق، وتفرض اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه التحديات حيث ان تحريك سعر الدولار مؤخرا لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج قلق عالمى من اتساع رقعة الحرب، وانعكاس مباشر لقرارات المستثمرين الذين باتوا يهربون نحو الدولار كملاذ آمن، ويتركون خلفهم عملات الأسواق الناشئة، والحقيقة التى لا يجب تغيب عن أعيننا ان مصر مازالت تعتمد على الاستيراد فى عدد من السلع الإستراتيجية، وبالتالى فإن كل تحريك لسعر الدولار يعنى فاتورة أغلى على المواطن، من الخبز حتى الأدوية، ومن الزيوت إلى الوقود، وبطبيعة الحال فإن الأسعار قد تشهد ارتفاعًا جديدًا خلال الأيام القادمة، وهنا يظهر التحدى الحقيقى، وكيفية موازنة الدولة بين امتصاص الصدمة، وعدم تحميل المواطن عبئًا إضافيًا، وتفعيل خطط تأمين إمداداتنا بعيدًا عن بؤر التوتر.
لا شك ان المستقبل غير واضح، لكن الأكيد أن الاقتصاد المصرى أمام اختبارجديد، تتشابك فيه خيوط السياسة، والحرب، والثقة الدولية، إلا ان دولة 30 يونيو وتحركات الحكومة فى وقت الأزمات السابقة سواء فيروس كورونا أوالأزمة الروسية- الأوكرانية أوالحرب على غزة قد أثبتت نجاحات كثيرة عبر التحركات الاستباقية التى أدت إلى تجاوز التداعيات بنجاح، وأشادت بها كافة المؤسسات الدولية.
ومع التوقعات باتساع رقعة المواجهة بين إيران وإسرائيل بات من الضرورى تعزيز فكرة «الإجراءات الاستباقية» والعمل على تنشيط جذب الاستثمارات وتعزيز قوة الإنتاج المحلى والحفاظ على استقرار السوق المصرفى وخفض فاتورة الاستيراد والحفاظ على المخزون الاستراتيجى من السلع الأساسية، وهذه الاستباقية فى اتخاذ القرارات المصيرية كانت صعبة الحدوث بدون ما تم من اجراءات اصلاحية أعادت صياغة بناء الاقتصاد المصرى ليتوافق مع كافة مستجدات الأحداث العالمية، ومن أهمها المشروع القومى للصوامع وانشاء المخازن الاستراتيجية وتوزيعها جغرافيا لخلق عدم مركزية فى توفير السلع الأساسية، وذلك بجانب ما شهده قطاع الطاقة من تحديثات كبيرة رفعت من قدراته الإنتاجية، اضافة إلى التوسع فى انشاء أماكن التخزين للاستفادة من الطاقات التجريبية للبترول بجانب التوسع فى ادخال مصادر طاقة جديدة تتنوع من خلالها محفظة الطاقة من كهرباء ووقود احفورى وطاقة جديدة ومتجددة إلى أن وصلنا إلى الهيدروجين الاخضر، ولذلك فإن الاستباقية فيما اتخذته القيادة السياسية منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى كانت السبب فى تحقيق أعلى درجات الاستجابة لتقليل الاثر السلبى للصدمات وتأهيل الاقتصاد المصرى للتعامل مع كافة المستجدات بالطريقة المثلى التى تحافظ على ما تحقق من مكتسبات وتصون كرامة دولتنا.
وبالرغم من ذلك وتحسبا لأى أحداث أو مستجدات قد تلم بالمنطقة، فإن اللجوء الى ما يعرف «باقتصاد الحرب» أمر وارد و قد يحدث، وهو قائم على الاستغلال الأمثل لكافة الموارد واستخدام مبدأ الترشيد والرشادة فى الانفاق، وأعتقد ان هذا النهج هو المناسب فى هذا الوقت تحسبا لأى مستجدات، وكل هذا ما تعودناه من القيادة السياسية فى اتخاذ القرارات الاستراتيجية بزيادة الاحتياطات من السلع الاستراتيجية وتدبير الاتاحات المالية اللازمة للتعامل مع أى مستجد قبل حدوثه.
كلمة فاصلة:
ببساطة.. دولة 30 يونيو قادرة على امتصاص التداعيات الاقتصادية للحرب الحالية واعتدنا من القيادة السياسية الاستعداد والاستباقية واتخاذ القرارات الاستراتيجية، وفى حالة اتساع رقعة الصراع ونشوب حرب إقليمية لتطول منطقة الشرق الأوسط، قد تتحول الإجراءات الاستباقية إلى الإجراءات المرتبطة باقتصاد الحرب لمواجهة تلك التداعيات ويكون ذلك فى ضوء تقدير الموقف فى حينه وهوما يستوجب الاستعداد من الآن لمواجهة كل الاحتمالات القادمة.. حفظ الله مصر وأهلها.