لا يعيب الفرد أو الجماعة أو حتى الدول أن تستفيد من تجارب غيرها.. فمجالات العمل متعددة ولا يمكن بحال من الأحوال أن يوجد فرد أو دولة تتفوق فى كل المجالات.. إذن الكل يحتاج غيره ويتكامل معه وبالتالى عندما تلجأ للاستفادة من نجاحات غيرك فهذا ليس عيباً فيك وانما سعى لأن تكون مثله إن لم تتفوق عليه.. وحدث هذا أثناء بناء مصر الحديثة فى عهد محمد على باشا «الكبير» [1805-1845] حيث كانت سياسته فى بناء مصر الحديثة قائمة على أمرين مهمين هما إرسال بعثات من متفوقى المدارس فى مصر والاستعانة بتجارب الأوروبيين واستقدام علمائهم للعمل فى المدارس المصرية.. وكانت تجربة رائدة بالفعل استطاع من خلالها تحقيق نجاحات كثيرة أدت فى نهاية المطاف إلى بناء دولة قوية حديثة عرفت بالامبراطورية المصرية التى امتدت من قونية شمالاً على حدود الدولة العثمانية إلى الحبشة شرق القارة الافريقية، ناهيك عن التفوق الذى أحرزه المصريون فى العديد من المجالات كافة، زراعية وصناعية وعسكرية واقتصادية.
إذن نحن أمام تجربة مصرية سابقة وملهمة فى ذات الوقت ومن ثم فلم لا تكرر هذه التجربة الرائدة من جديدة.. ولماذا لا يتم العمل على استنساخ مثل هذه التجارب الناجحة.
إن مصر دولة ذات جذور حضارية متقدمة وصنعت واحدة من أعظم الحضارات الإنسانية وبالتالى فليس من العسير عليها أن تعيد اكتشاف نفسها من جديد وتعمل من أجل العودة من خلال الجمهورية الجديدة.. ففى حقل التعليم مثلاً بدأنا خطوة رائدة تمثلت فى الإفادة من تجربة اليابان.. بإنشاء العديد من المدارس اليابانية فى عدة محافظات وإنشاء فروع لجامعات دولية.. والمرجوة أن تكون التجربة مثمرة.
هذا عن التعليم وهو مجال حيوى استراتيجي.. فإذا ما اتجهنا إلى الزراعة وهى بالمناسبة تشهد طفرة غير مسبوقة فى مجالى استصلاح الأراضى وفتح الأسواق الخارجية لتصدير المنتجات.. ولكن لا مانع فى هذا الإطار أيضاً رغم هذه الطفرة أن نستعين بالتجارب الناجحة فى بعض البلدان خاصة تلك التى تنتج الحاصلات الزراعية الاستراتيجية مثل القمح والأرز والأقطان والمحاصيل الزيتية.. وعندنا شباب الباحثين فى مركز البحوث الزراعية لماذا لا يتم إرسال النابهين منهم فى بعثات إلى هذه الدول أو أن يتم استقدام العلماء البارزين من تلك الدول للاستفادة من خبراتهم فى هذه المجالات الحيوية.
أيضاً الصناعة وهى واحدة من أهم أعمدة الاقتصاد القومى وعرفت مصر العديد من الصناعات منذ القدم وخطت خطوات كبيرة فى هذا المجال ولكن – والحق يقال – نحن بحاجة إلى تطوير دائم ومستمر لمنتجاتنا، فالعالم من حولنا وخاصة فى أوروبا والولايات المتحدة ودول جنوب شرق آسيا وتيرة التقدم والتطوير تتسارع فيها بدرجة كبيرة للدرجة التى جعلت دولاً مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة قد بدأت نهضتها معنا فى ذات الوقت.. منذ سبعينيات القرن الماضي.. والآن لو قارنا الوضع بيننا وبين تلك الدول أعتقد أن المقارنة لن تكون فى صالحنا بحال من الأحوال إذن الإفادة ممن تفوق فى أى مجال من المجالات ليس عيباً فيك بل هو استدراك منك و«نوبة صحيان» لأن تستعيد قواك من جديد لتبدأ أولى خطواتك الناجحة من أجل دولة قائمة على العلم والتخطيط السليم والاستفادة من تجارب الأكثر منك علماً وخبرة.. حتى ترتقى وتصبح واحداً من دول يشار إليها بالبنان.