لم يكن شهر رمضان في الماضي يمر دون أن نشاهد مسلسلات دينية وتاريخية تروي سير الأنبياء والصحابة وتتناول المحطات المضيئة في تاريخ الإسلام، أو تبرز شخصيات تركت أثرًا عظيمًا في وجدان الأمة.. هذه الأعمال لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت وسيلة لترسيخ القيم الدينية وتعزيز الهوية الثقافية.
في الماضي.. أنتج التليفزيون المصري مسلسلات خالدة مثل محمد رسول الله، عمر بن عبدالعزيز، الإمام الطبراني، ولا إله إلا الله، وكانت هذه الأعمال تجذب جمهورًا واسعًا من مختلف الفئات، لكن اليوم أصبحت مسلسلات مثل سيد الناس، أش أش، والعتاولة هي العناوين السائدة، وتدور جميعها في عالم العنف والسرقة والمخدرات والرقص، حيث تروج للبلطجة وكأنها أسلوب حياة، وتُظهر الخارجين عن القانون في صورة الأبطال.
ولا شك هذا التحول الخطير في مضمون الدراما يطرح تساؤلات حول دور الإعلام والمسئولية المجتمعية التي ينبغي أن يتحملها صناع المحتوي، فبدلاً من إنتاج أعمال تزرع القيم وتحفز علي الاجتهاد والعمل، أصبحنا أمام محتوي يكرس مفاهيم خاطئة ويفتح الباب لتقليد السلوكيات المنحرفة.
من وجهة نظري إذا كانت الدراما أداة تأثير فعالة، فإن غياب المسلسلات الدينية يعني فقدان وسيلة مهمة لتعزيز القيم والأخلاق في المجتمع، والمطلوب اليوم هو إعادة النظر في هذه الأعمال سواء من خلال دعمها ماليًا أو تطوير طرق تقديمها بأساليب أكثر حداثة، تتماشي مع متطلبات العصر، من دون المساس بجوهرها، خاصة أن هناك جمهورًا كبيرًا لا يزال متعطشًا لهذا النوع من الدراما، والدليل علي ذلك نجاح الأعمال التاريخية الضخمة وهو ما حدث مع مسلسل الحشاشين والذى لقى نسبة مشاهدة ضخمة.
وحسنا فعل أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عندما أعلن عن عودة قطاع الإنتاج .
أعتقد ان هذه الخطوة تمثل بداية مهمة لإعادة دور التليفزيون وتقديم أعمال ترتقي بالوعي بدلاً من هدمه، تساهم بجانب ما تقدمه المتحدة فى بناء الوعى والتعبير عن الهوية المصرية.
ما نحتاجه اليوم هو إستراتيجية واضحة تعيد التوازن إلي الشاشة، بحيث يتاح للجمهور أعمال ترفيهية، لكن دون أن يكون ذلك علي حساب القيم والمبادئ، ويجب أن تدعم الدولة والمؤسسات الإعلامية إنتاج مسلسلات دينية وتاريخية بجودة تنافس الأعمال التجارية، وأن يتم استثمار الدراما في إعادة تقديم الشخصيات المؤثرة في التاريخ الإسلامي والعربي، بأسلوب يجذب الأجيال الجديدة.
في الختام اؤكد أن الدراما ليست مجرد أداة للترفيه، بل قوة ناعمة تسهم في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات، وإذا لم تكن هذه القوة في خدمة البناء، فستصبح وسيلة للهدم، وهو ما لا ينبغي السكوت عليه.
ولابد أن تواصل المتحدة مع التليفزيون هذا الدور المهم لحماية الفن الهادف من محاولات الهدم التى نتعرض لها.