51 عامًا مرت على انتصار أكتوبر المجيد ومازال الحدث حيًا وخالدًا ينبض بالحيوية والعزة والكرامة فى نفوسنا جميعًا.. حتى الأجيال التى لم تشهد لحظات النصر الحاسمة تتذكره بكل فخر واعتزاز.. سيظل السادس من أكتوبر العاشر من رمضان تاريخًا خالدًا فى نفوس المصريين والعرب وكل الشعوب الحرة التى عاشت نفس ظروف المصريين ونجحت فى تحرير أرضها المحتلة واستعادة العزة والكرامة.. وبمرور الأيام وتوالى الأحداث والمواقف والتطورات بالمنطقة يزداد نصر أكتوبر قيمة وأهمية مثل الذهب الذى لا يصدأ أبدًا بريقه يخطف الانظار من عام لآخر.. ومع تصاعد الأحداث وتفاقم الأزمات وتشابك المواقف وتعقدها حولنا نعود بالذاكرة سريعًا إلى ذلك اليوم الخالد الذى قرر فيه المصريون خوض الحرب ضد عدو متغطرس قيل إنه يملك جيشًا لا يقهر ويدًا طولى لا يستطيع أحد أو قوة كسرها أو حتى الاقتراب منها.. ولكن بإرادة النصر والرغبة القوية فى تحرير الأرض واستعادة الهيبة والكرامة حقق المصريون المستحيل.. عبروا أخطر وأقوى مانع مائى فى التاريخ.. وحطموا خط بارليف الحصين الذى وصفه المحللون العسكريون فى ذلك الوقت بإنه يستعصى حتى على القنابل النووية تدميره!! قبل السادس من أكتوبر كانت كل الحسابات والنظريات العسكرية ومعايير الغلبة والتفوق يصب فى كفة العدو.. وقد كنا أقل تسليحًا وعتادًا.. وقيل فى ذلك الوقت أن المصريين لن يحاربوا وإذا حاربوا لن ينتصروا وربما يتكبدون هزيمة ساحقة أكثر مرارة من نكسة يونيو 67.. كل هذه الحسابات كانت فى ذهن الرئيس أنور السادات وكل القادة العسكريين فى غرفة عمليات الحرب وهم يستعدون للحرب.. ولكنها لم تنل أبدًا من عزيمة الأبطال.. لا القادة فى مراكز القيادة.. ولا الجنود والضباط فى أرض المعركة.. وبقوة الإيمان وعزيمة الرجال صدر قرار العبور.. من أصعب القرارات التى اتخذت فى تاريخ مصر والأمة العربية والإسلامية.. وكان يتوقف على هذا القرار مصير أمة بكاملها.. فإن النصر وتحرير الأرض واستعادة الهيبة والكرامة واجهاض مخططات العدو فى التوسع والاستيطان والعربدة فى المنطقة كلها.. وإما لا قدر الله هزيمة جديدة قاتلة تقضى على كل أمل فى نفوس المصريين والعرب وتقودنا إلى مجهول سحيق لا يعرف مداه إلا الله عزوجل.. والحمد لله.. انتصرنا وعبرنا قناة السويس وحطمنا خط بارليف وانتقل أبطالنا البواسل إلى البر الشرقى كالأسود يصولون ويجولون فى أرض سيناء الحبيبة.. وأرواح جنود العدو تتساقط وتتهاوى كأوراق الشجر فى الخريف.. وصرخات الله أكبر.. الله أكبر تدوى فى كل مكان ومن لم يمت برصاص المصريين.. مات بصرخاتهم خوفًا وذعرًا ورعبًا وقهرًا.. وتوغل الأبطال فى سيناء تحصد بنادقهم جنود العدو قتلاً وأسرًا وبات الطريق مفتوحًا إلى ما بعد سيناء بل وداخل الأراضى الفلسطينية المحتلة وصولاً إلى عاصمة الكيان تل أبيب.
ومثلما يتذكر المصريون نصر أكتوبر بكل مشاعر العزة والكرامة.. يتذكره أيضا الإسرائيليون ولكن بمشاعر الذل والهوان وعار الهزيمة الساحقة التى لا تنسي.. ورغم توقيع اتفاقيات سلام فى مرحلة ما بعد الحرب والنصر.. فمازال الإسرائيليون يتجرعون مرارة الهزيمة والانكسار والانهيار فى السادس من أكتوبر.. ومازال قادة إسرائيل الحاليين يتذكرون معجزة المصريين الخالدة فى العاشر من رمضان ولذلك فإنهم يعملون ألف حساب للمصريين وقدرتهم الفائقة على الانتصار فى أى معركة يدخلونها.. نتنياهو وعصابته الذين يعربدون فى المنطقة ويضربون المدن العربية الآمنة فى غزة والضفة ولبنان وسوريا والعراق واليمن بالقنابل المحرمة دوليا يتذكرون جيدًا قدرة المقاتل المصرى على تحقيق المعجزة.. ومهما غرتهم غطرسة القوة والتقدم التكنولوجى واللوجستى والاستخباراتي.. فلن يسوقهم خيالهم المريض إلى فكرة الاقتراب من مصر أو تجاوز الخطوط الحمراء.. وحتى فى غمرة جنون نتنياهو ورغباته التوسعية واشعال النيران فى كل مكان وبلد.. سيتذكر حتما نصر أكتوبر وساعتها سيتوقف عن جنونه وحماقته خوفًا من تصعيد الموقف واشتعال المنطقة وقيام حرب شاملة بالشرق الأوسط تجمع العرب تحت لواء مصر وفى هذه الحالة ستكون الهزيمة الساحقة نهايته بل ونهاية الحلم الصهيونى برمته.
من أعظم دروس أكتوبر التى لا تنسى وحدة المصريين جميعًا خلف قيادتهم السياسية وقواتهم المسلحة الباسلة.. وحدة الجيش والشعب وتلاحم وانصهار الجميع فى بوتقة حب الوطن ومن أجل تحرير سيناء الغالية كلمة السر الحقيقية وراء تحقيق النصر.. وكما توحد المصريون تحت راية الوطن .. توحد العرب أيضا تحت راية مصر وقدم العرب أروع وأبهى صورة للوحدة والتضامن والتكامل العربى سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا ونفسيًا ووضع القادة العرب كافة امكاناتهم ومواردهم وقدراتهم العسكرية والاقتصادية فى خدمة الجيش المصرى والسورى فى حرب العزة والكرامة وتحرير الأرض واستعادة الهيبة والمكانة.. حتى شاه إيران قدم لمصر وجيشها خدمات جليلة ويكفى أنه أمر ناقلات البترول المتوجهة إلى أوروبا فى عرض البحر بتعديل مسارها والتوجه إلى السواحل المصرية فورًا لتزويد جيش مصر وشعبها بما يحتاجه من وقود.. مصر فرضت كلمتها وإرادتها على الجميع بما فى ذلك أمريكا نفسها التى دخلت فى الحرب فى الساعات الأخيرة لانقاذ إسرائيل من دمار محقق وهلاك مؤكد.. وانتقلت مصر من استراتيجية الحرب.. إلى استراتيجية السلام وهى معركة لا تقل شراسة وضراوة عن معركة الحرب وهذا ما سنتحدث عنه تفصيلاً فى الأسبوع القادم بإذن الله.. كل عام ومصر فى تقدم وازدهار.. تحية لقواتنا المسلحة الباسلة درع الوطن وسيفه.. تحية لأرواح الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم من أجل تحرير الأرض والعرض والكرامة.. تحية للقائد الشهيد أنور السادات بطل الحرب والسلام وصاحب قرار العبور.. تحية لأرواح القادة العظام الذين وقفوا خلف القائد ودعموه وناصروه ولم يخذلوه فى قرار العبور.
تحية لشعب مصر العظيم الذى يلتف دائمًا خلف جيشه البطل حفاظًا على مقدرات الوطن وحماية أمنه القومي.. وتحيا مصر.