فى عام 1959 أقيم بنيالى ساو باولو فى البرازيل واشترك فيه العشرات من الفنانين العالميين التشكيليين، ومن بين المشاركين كان المصرى صلاح عبدالكريم الذى توقف أمام عمله المشارك به فى المعرض «السمكة» تمثال صنعه من الرقائق المعدنية القديمة فنان العصر فى ذلك الوقت بابلو بيكاسو، توقف ليعلن إعجابه بالعمل ويسأل عن صاحب هذا الإبداع فكانت الإجابة أنه المصرى صلاح عبدالكريم الذى يحمل داخله إبداع أربعة فنانين فى نفس الوقت فهو النحات والرسام والمثال والمصور والخزاف. ولد فى ٥ نوفمبر عام 1925 بمدينة الفيوم وكان والده مهندساً للرى حيث اهتم بهواية الابن بعد ان لاحظ عشقه للرسم والأشغال اليدوية والتشكيل بالصلصال وصنع الحيوانات وأشكال الأوراق الملونة، وكان يحصل على أعلى الدرجات فى مادة الرسم فشجعه على ممارسة تلك الهواية والتميز بها، الآن اهتمامه الشديد بالفن جعل الأسرة تخشى ان ينصرف عن دراسته فخطفت لأن يلتحق فى القاهرة بالمدرسة الثانوية النموذجية. وفى تلك المدرسة التقى الطالب الفنان الموهوب بالفنان العظيم حسين يوسف امين الذى كان له الفضل فى تغيير مسار حياته حيث كان يعمل مدرساً للرسم وكان يطلب من تلاميذه ان يرسموا بالزلط والطوب لوحات فنية، فقال له صلاح عبدالكريم لو طلبت منى ان ارسم بالحديد فلن أتردد، وقد كان فقد أصبح الحديد هو المادة الخام التى سيطر عليها وطوعها بأن أمله فى أشكال لوحات وتماثيل تحدث عنها نقاد الفن العالمى ومؤرخوه. ويحسب له انه قدم فتحاً جديداً فى الإبداع التشكيلى المصرى عندما وجد ضالته فى سوق الخردة من تلك الأكوام التى ترقد جامدة بلا حراك وكانت تنبض من قبل بالحياة حيث كانت فى الأساس أجزاء لمحركات عملاقة وآلات هادرة، فقرر ان يعيد لها الحياة وبدأ فى جمعها وتشكيلها فى عالم جديد، وخرج من أشلاء التروس والمفاتيح والرولمان بلى والسلاسل والجنازير والمفكات والمقابض والمقصات عالماً جديداً حيث كان تمثال التصنيع والذى تخيله عملاقاً يحمل بين ذراعيه رمز العلم من الذرة والجزئ وتمثال السمكة الذى شكله من الرقائق المعدنية وتمثال الديك من المسامير ورقائق الحديد وتمثال الضفدعة من الرومان بلى والتى تكاد تقفز من فرط التعبير وقوة الحركة وتمثال البومة والثور وغيرها من تماثيل نفايات الحديد. وقد توج هذا المشوار بفوزه بجائزة النحت الشرفية فى دورتين من دورات بينالى البرازيل حيث اعتبروه رائداً من رواد فن تشكيل الحديد الخردة واحد فرسانه على مستوى العالم. وعلى جانب آخر ظل عبدالكريم طيلة سنوات دراسته بكلية الفنون الجميلة التى التحق فيها بقسم الفنون الزخرفية متفوقاً حتى تخرج بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف عام 1947 ليعين معيداً بها، ثم يذهب إلى فرنسا وإيطاليا فى بعثة دراسية فى فنون التصميم والديكور المسرحى والسينمائي، ولنعيد خبرته فى مجال تصميم الأثاث والعمارة الداخلية وتنتشر تصميماته فى مصر وخارجه حتى أصبح أحد أعلام الديكور. لتصبح إبداعاته فى كل اتجاه من التصوير والرسم الصحفى والتصميم الزخرفى وفن الإعلان وتشكيلات ومجسمات الخزف وديكور المسرح والسينما، ورسم الصور الشخصية البورتريه معتمداً فى خوض هذه التجربة على رصيده المخزون من التصميم الزخرفى فجاءت لوحاته كما لو كانت قصائد شعرية. وقد استعان فى رسم الصور الشخصية بملهمات من فتيات فى سن الشباب جانحاً تجاه سلامة النفس الراضية وهدوء السريرة، وقد اتجه أيضاً للرسم فى الصحف والمجلات وكانت رسومه تتميز بالسهولة واعتبرها الجمهور لوحات شعبية رائعة. كانت حصيلة هذا الفنان الذى عاش داخله أربعة تخصصات فنية وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى فى الفنون عام 1964 وجائزة الدولة التشجيعية فى النحت والخزف عام 1965 وتصميم ديكورات أكثر من 65 مسرحية وأوبريت و كل الجوانب التشكيلية فى فندق فلسطين بالإسكندرية وفندق إيتاب بالأقصر كما شاركت أعماله بالمعارض الدولية بالخارج ليرفع اسم مصر ويصبح تشكيلة من أربع فنانين متميزين.